124

Jawahir Tafasir

جواهر التفسير

Genres

وأصله القلق واضطراب النفس، فإن الشك من لازمة الاضطراب وعدم الارتياح، ومنه حديث

" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "

، وقيل إن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة، فإن الأمر متى كان مشكوكا فيه كان مصدرا للقلق وعدم الاستقرار، ومتى كان صدقا ظاهرا اطمأنت إليه النفس وسكنت، ولأجل ذلك قيل: ريب الزمان في نوائبه، لأنها مزعجة للنفس مقلقة للقلب.

ومن العلماء من يفرق بين الريب والشك، فبعضهم يقول: الريب هو الشك مع التهمة، وهو يعني أن الريب أعمق من الشك. وقال الراغب: إن الشك وقوف النفس بين شيئين متقابلين بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر، والريب التوهم في الشيء، ثم انكشافه عما توهم فيه، وأضاف إلى ذلك التفرقة بينهما وبين المرية، فقال عن المرية: هي التردد في المتقابلين. وطلب الامارة مأخوذة من مرى الضرع إذا مسحه للدر. وقال الجولي: الشك ما استوى فيه الاعتقادان أو لم يستويا، ولكن لم ينته أحدهما لدرجة الظهور الذي تنبني عليه الأمور، والريب ما لم يبلغ درجة اليقين وإن ظهر نوع ظهور.

مقاصد القرآن الكريم:

والكتاب العزيز ليس موضعا لريب، فإن مقاصده ظاهرة، ومعانيه ناصعة، وآياته ساطعة، فلا يخامر العقل السليم شك في أنه من عند الله، وأنه مصدر هداية الناس، ومنبع سعادتهم، وبهذا يندفع ما عسى أن يقال إن كثيرا من الناس مرتابون فيه غير مطمئنين إلى صدقه، فكيف ينفى الريب عنه لا سيما وأن المكذبين به والمعرضين عنه أكثر من الذين صدقوا به واتبعوه؟ ويؤكد ما ذكرناه في المراد بنفي الريب أن الله عز وجل وجه الخطاب إلى المرتابين فيه بقوله:

وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله

[البقرة: 23]، حيث أتى بإن الشرطية المستعملة في الشك دون إذا المستعملة في اليقين، وذلك أن الكتاب ليس مظنة للريب، فلو خامرهم منه شيء لضعف عقولهم وغلبة الهوى عليها فعليهم أن يستعرضوا ملكاتهم البيانية ويختبروا طاقاتهم، هل بإمكانهم أن يأتوا بسورة من مثله؟ ولو استنفدوا قواهم واستظهروا بنصرائهم، مع كونهم فرسان البيان الذين لا يركب في أثرهم، وقد أنزل القرآن على أمي نشأ بين ظهرانيهم، وقد اكتشفوا عاداته، ودرسوا سيرته، واكتشفوا سريرته، ولم يعرفوا منه في عنفوان شبابه طموحا إلى الظهور وتطلعا إلى مباراتهم في مضمار البيان.

وهذا التركيب يفيد نفي الريب عن القرآن من غير تعرض لإثباته أو نفيه عن غيره، فلذلك لم يقل: لا فيه ريب كما قال في خمر الجنة:

لا فيها غول

Unknown page