[الصافات: 47] تعريضا بخمور الدنيا التي تغتال العقول ، أفاد ذلك الزمخشري وهو واضح لمن درس قواعد البلاغة وفهم مقاصد البلغاء وإن أنكره أبو حيان.
والجمهور قرأوا بنصب ريب بلا النافية للجنس، وهي قراءة تنص على نفي كل فرد من أفراد الريب، ولذلك قالوا إنها توجب الاستغراق، وذكر عن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي أنه قرأ بالرفع، وهي محتملة لنفي الجنس، أو نفي فرد من أفراده، فلذلك قالوا إنها تجوز الاستغراق، وقراءة الجمهور أبلغ، وعليها الاعتماد في الصلاة وغيرها بخلاف الأخرى لشذوذها.
والوقف على { فيه } لا على { ريب } عند الأكثر، لارتباط فيه بالجملة، وروي عن نافع وعاصم أنهما وقفا على { لا ريب } وربطا { فيه } بالجملة الثانية، وقراءتهما تقتضي تقدير خبر للا كما في قوله تعالى:
قالوا لا ضير
[الشعراء: 50]، وقول العرب لا بأس، وتقديره فيه. { فيه هدى للمتقين } ، واعتمد ذلك القرطبي حيث فصل { فيه } عن جملة لا ريب وربطها بقوله { هدى للمتقين } وأبى ذلك أكثر المفسرين، لأن اعتبار الكتاب بأن نفسه هدى أبلغ من اعتباره منطويا على الهدى، كما أن ما في سورة السجدة وهو قوله تعالى:
تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين
[السجدة: 6] يتفق مع قراءة الجمهور وتفسيرهم.
{ هدى للمتقين }
القرآن هداية للمتقين:
بدأ سبحانه بنفي الريب عن كتابه ليكون ذلك كالتقعيد لإثبات هدايته، لأن ما حام حوله الريب لا يصلح لأن يكون هاديا، وثنى على ذلك بإثبات أنه هدى للمتقين، وهو من باب قولهم التخلية قبل التحلية، وما جانبه الريب جدير أن يكون هدى، إذ الهدى لظهوره ونصوع دلالته لا يبقى معه شيء من الريب، وهو مصدر هدى، كالسرى والتقى والبكى بالقصر في لغة، وقد سبق في تفسير الفاتحة تفصيل معناه وشرح أقسامه، وبقي أن أضيف إلى ما تقدم أنه لا خلاف في كون هذه الكلمة تفيد الدلالة، وإنما الخلاف في كون هذه الدلالة موصلة إلى البغية أولا، فالزمخشري يرى أنها موصلة ويستدل لذلك بثلاثة أوجه:
Unknown page