Al-Jawāhir al-Ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
Genres
وقوله سبحانه: { في بروج } الأكثر والأصح الذي عليه الجمهور: أنه أراد ب «البروج»: الحصون التي في الأرض المبنية؛ لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة، فمثل الله لهم بها، قال قتادة: المعنى: في قصور محصنة؛ وقاله ابن جريج والجمهور، وبرج: معناه: ظهر؛ ومنه تبرج المرأة، و { مشيدة }: قال الزجاج وغيره: معناه: مرفوعة مطولة؛ ومنه أشاد الرجل ذكر الرجل؛ إذا رفعه، وقالت طائفة: { مشيدة }: معناه: محسنة بالشيد، وهو الجص، وروى النسائي عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" أكثروا ذكر هاذم اللذات "
، يعني: الموت، وخرجه ابن ماجة والترمذي، وخرجه أبو نعيم الحافظ بإسناده من حديث مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وروى ابن ماجة بسنده، عن ابن عمر؛ أنه قال:
" كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من الأنصار، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقا، قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا أولئك الأكياس "
، وأخرجه مالك أيضا. انتهى من «التذكرة».
وقوله تعالى: { وإن تصبهم حسنة... } الآية: الضمير في { تصبهم } عائد على { الذين قيل لهم كفوا أيديكم }؛ وهذا يدل على أنهم المنافقون؛ لأن المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة؛ ولأن اليهود لم يكونوا للنبي صلى الله عليه وسلم تحت أمر، فتصيبهم بسببه أسواء، والمعنى: إن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من غنيمة أو غير ذلك، رأوا أن ذلك بالاتفاق من صنع الله، لا ببركة اتباعك والإيمان بك، وإن تصبهم سيئة، أي: هزيمة، أو شدة جوع، أو غير ذلك، قالوا: هذه بسببك.
وقوله: { قل كل من عند الله }: إعلام من الله سبحانه؛ أن الخير والشر، والحسنة والسيئة خلق له، ومن عنده، لا رب غيره، ولا خالق ولا مخترع سواه، والمعنى: قل، يا محمد، لهؤلاء.
ثم وبخهم سبحانه بالاستفهام عن علة جهلهم، وقلة فهمهم، وتحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق، والفقه في اللغة: الفهم، وفي الشرع: الفهم في أمور الدين، ثم غلب عليه الاستعمال في علم المسائل الأحكامية.
[4.79-81]
وقوله تعالى: { ما أصابك من حسنة فمن الله... } الآية: خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وغيره داخل في المعنى، ومعنى الآية؛ عند ابن عباس وغيره: على القطع، واستئناف الأخبار من الله عز وجل؛ بأن الحسنة منه، ومن فضله، وبأن السيئة من الإنسان؛ بإذناه، وهي من الله تعالى بخلقه واختراعه، لا خالق سواه سبحانه، لا شريك له، وفي مصحف ابن مسعود: «فمن نفسك، وأنا قضيتها عليك»، وقرأ بها ابن عباس، وفي رواية: «وأنا قدرتها عليك»؛ ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم معناها: أن ما يصيب ابن آدم من المصائب، فإنما هو عقوبة ذنوبه، قال أبو جعفر أحمد بن نصر الداوودي: قوله تعالى: { وما أصابك من سيئة فمن نفسك }: خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد غيره. انتهى.
Unknown page