242

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

القول في تأويل قوله تعالى: { قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين }. يعني بذلك جل ثناؤه: قل يا محمد ليهود بني إسرائيل: بئس الشيء يأمركم به إيمانكم إن كان يأمركم بقتل أنبياء الله ورسله، والتكذيب بكتبه، وجحود ما جاء من عنده. ومعنى إيمانهم تصديقهم الذي زعموا أنهم به مصدقون من كتاب الله، إذ قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله، فقالوا: نؤمن بما أنزل علينا. وقوله: { إن كنتم مؤمنين } أي إن كنتم مصدقين كما زعمتم بما أنزل الله عليكم. وإنما كذبهم الله بذلك لأن التوراة تنهي عن ذلك كله وتأمر بخلافه، فأخبرهم أن تصديقهم بالتوراة إن كان يأمرهم بذلك فبئس الأمر تأمر به. وإنما ذلك نفي من الله تعالى ذكره عن التوراة أن تكون تأمر بشيء مما يكرهه الله من أفعالهم، وأن يكون التصديق بها يدل على شيء من مخالفة أمر الله، وإعلام منه جل ثناؤه أن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم، والذي يحملهم عليه البغي والعدوان.

[2.94]

قال أبو جعفر: وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم فيما كان بينه وبينهم من الخلاف، كما أمره الله أن يدعو الفريق الآخر من النصارى إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه وجادلوا فيه إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة. وقال لفريق اليهود: إن كنتم محقين فتمنوا الموت، فإن ذلك غير ضاركم إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله، بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها والفوز بجوار الله في جنانه، إن كان الأمر كما تزعمون أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا. وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا وانكشف أمرنا وأمركم لهم. فامتنعت اليهود من إجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت فذهبت دنياها وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها. كما امتنع فريق النصارى الذين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى إذ دعوا إلى المباهلة من المباهلة فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا "

حدثنا بذلك أبو كريب، قال: حدثنا أبو زكريا بن عدي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن ابن عباس في قوله: { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة في قوله: { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } قال: قال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت لماتوا. حدثني موسى، قال: أخبرنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، عن ابن عباس، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، قال أبو جعفر فيما أروي: أنبأنا عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس قال: لو تمنوه يوم قال لهم ذلك، ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات. قال أبو جعفر: فانكشف، لمن كان مشكلا عليه أمر اليهود يومئذ، كذبهم وبهتهم وبغيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت حجة رسول الله وحجة أصحابه عليهم، ولم تزل والحمد لله ظاهرة عليهم وعلى غيرهم من سائر أهل الملل.

وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } لأنهم فيما ذكر لنا قالوا

نحن أبناء الله وأحباؤه

[المائدة: 18]

قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى

[البقرة: 111] فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم إن كنتم صادقين فيما تزعمون فتمنوا الموت فأبان الله كذبهم بامتناعهم من تمني ذلك، وأفلج حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو اليهود أن يتمنوا الموت، وعلى أي وجه أمروا أن يتمنوه. فقال بعضهم: أمروا أن يتمنوه على وجه الدعاء على الفريق الكاذب منهما. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال : حدثني ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب. وقال آخرون بما: حدثني بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس } وذلك أنهم

Unknown page