193

ومن ذلك قوله عز وجل بعد هذه القصة: { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر } [الحشر: 14] ، فجرى الأمر على ما أخبر عز وجل . فإن من قاتل منهم لم يقاتل إلا من { وراء جدر } ، ولم يبرزوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما برز المشركون يوم بدر ، ويوم أحد وحنين . وهذا مما لا يجوز أن يطلع على حقيقته إلا الله عز وجل ، العالم بالمغيبات .

ومن ذلك قوله عز وجل في اليهود: { وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } [الأعراف:167] ، وقد علمنا [ذلك] من أحوالهم ، لأنهم في جميع المواضع مقهورون مستذلون ، لا يمكنهم الثبات إلا مع الجزية والصغار ، وأحوالهم خلاف أحوال النصارى . فإن للنصارى دارا (¬1) ومملكة مثل الروم وما حوله ، على ما أخبر الله تعالى في القلة والذلة .

ومن ذلك قوله عز وجل: { تبت يدا أبي لهب وتب (1) . . . } [المسد] إلى آخر السورة . وذلك إخبار عن موته على الكفر ، وجرى مخبره على ما أخبر به عز وجل ، وهو مما لا يعلمه إلا علام الغيوب .

ولهذه الآيات في القرءان نظائر ، وفيما ذكرنا كفاية وبلاغ لمن نصح نفسه ، وأنصف عقله ، واتبع رشده .

فإن قيل: ولم ادعيتم أن الإخبار عن الغيوب يتضمن الاعجاز الذي إذا أتى به إنسان وادعا النبوة ثبتت نبوته ؟ وما أنكرتم أن يصح ذلك من المنجم الذي يخبر عن الشيء ، فيتفق أن يكون مخبره على ما أخبر به ؟!

Page 247