194

قيل له: لأن الخبر عن الغيب على وجه يكون صدقا على جهة الاستمرار ، لا يصح إلا من العالم به ، لأن ذلك لو صح من غير العالم ، لم يمكن (¬1) الاستدلال بالفعل المحكم المتقن ، على أن فاعله عالم ، لأن من جوز ذلك ، يلزمه أن تكون الأفعال الكثيرة المنتظمة المتسقة تقع من المبخت الذي ليس بعالم به ، لأن الخبر الصدق في حكم الفعل المتقن ، في احتياجه إلى أن يكون الفاعل له عالما ، وهذه الجمل هي من علوم البدايه (¬2) التي لا تعزب عن كامل العقل ، بل عن المراهق ، وإن لم يبلغ كمال العقل .

فإن قيل: كيف ادعيتم أن ذلك من البدايه ، وأنتم تجدون كثيرا من العقلاء ، يعتقدون في الكهان والمنجمين ، أنهم يجوز أن يخبروا عن الغيوب ؟

قيل لهم: إنهم لا يجوزون ذلك ، إلا إذا اعتقدوا أنهم عالمون بذلك ، وليس ذلك خلاف ما ادعيناه ، من أن العلم بأن الاخبار عن الغيب لا يصح إلا من العالم .

ومن جملة البدايه أن أولئك أخطأوا ، حين اعتقدوا أن هؤلاء يعلمون الغيب ، ولم يعتقدوا أنهم أخبروا من غير أن يعلموا (¬3) .

Page 248