79

Īthār al-ḥaqq ʿalāʾl-khalq fī radd al-khilāfāt ilāʾl-madhhab al-ḥaqq min uṣūl al-tawḥīd

إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٩٨٧م

Publisher Location

بيروت

الله على علم الْخلق فان العوائد التجريبية والأدلة السمعية دلّت على امْتنَاع الِاتِّفَاق فِي تفاصيل الحكم وتفاصيل التحسين والتقبيح وَلذَلِك وَقع الِاخْتِلَاف بَين أهل الْعِصْمَة من الْمَلَائِكَة والأنبياء كَمَا قَالَ تَعَالَى حاكيا عَن رَسُول الله ﷺ ﴿مَا كَانَ لي من علم بالملإ الْأَعْلَى إِذْ يختصمون﴾ وَحكى الله تَعَالَى اخْتِلَاف سُلَيْمَان وَدَاوُد ومُوسَى وَهَارُون ومُوسَى وَالْخضر وَصَحَّ فِي الحَدِيث اخْتِلَاف مُوسَى وآدَم وَاخْتِلَاف الْمَلَائِكَة فِي حكم قَاتل الْمِائَة نفس إِلَى أَمْثَال لذَلِك قد أفردتها لبَيَان امْتنَاع الِاتِّفَاق فِي نَحْو ذَلِك وَأَن عِلّة الِاخْتِلَاف التَّفَاضُل فِي الْعلم فَوَجَبَ من ذَلِك ان يكون فِي أَحْكَام الله تَعَالَى وَحكمه مَا تستقبحه عقول الْبشر لِأَن الله تَعَالَى لَو ماثلنا فِي جَمِيع الاحكام وَالْحكم دلّ على مماثلته لنا فِي الْعلم الْمُتَعَلّق بذلك وَفِي مؤداه ولطائفة وأصوله وفروعه وَلذَلِك تَجِد الْأَمْثَال والنظراء فِي الْعُلُوم أقل اخْتِلَافا خُصُوصا من المقلدين
وَإِنَّمَا عظم الِاخْتِلَاف بَين الْخضر ومُوسَى لما خص بِهِ الْخضر ﵉ وَهَذِه فَائِدَة نفيسة جدا وَبهَا يكون وُرُود الْمُتَشَابه أدل على الله تَعَالَى وعَلى صدق أنبيائه لِأَن الْكَذَّابين إِنَّمَا يأْتونَ بِمَا يُوَافق الطباع كَمَا هُوَ دين القرامطة والزنادقة وَقد أَشَارَ السّمع إِلَى ذَلِك بقوله تَعَالَى ﴿وَلَو اتبع الْحق أهواءهم لفسدت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ﴾ وَقَالَ فِي رَسُول الله ﷺ ﴿لَو يطيعكم فِي كثير من الْأَمر لعنتم﴾
وَكَيف يستنكر اخْتِلَاف الانسان الظلوم الجهول وعلام الغيوب الَّذِي جمع معارف العارفين فِي علمه مثل مَا أَخذه العصفور فِي منقاره من الْبَحْر الاعظم بل كَيفَ لَا يخْتَص هَذَا الرب الاعظم بِمَعْرِفَة مَا لَا نعرفه من الحكم اللطيفة الَّتِي يسْتَلْزم تفرده بمعرفتها أَن يتفرد بِمَعْرِفَة حسن مَا تعلّقت بِهِ وتأويله وَبِهَذَا ينشرح صدر الْعَارِف للايمان بالمتشابه والايمان بِالْغَيْبِ فِي تَأْوِيله فلنذكر بعد هَذَا كل وَاحِد من الامرين الْمُقدم ذكرهمَا على الايجاز

1 / 87