Mawqiʿ al-Islām Suʾāl wa-Jawāb
موقع الإسلام سؤال وجواب
Genres
عذاب القبر ونعيمه حق يقع على الروح والجسد معًا
[السُّؤَالُ]
ـ[لدي (سؤال) غريب. أعتقد بأن الإنسان إذا مات فإنه لا يسمع كما أن جسده تصبح عديمة النفع. ولكن طبقا للحديث، فإن هناك عذاب في القبر. فهل يعني ذلك بأن الجسد ما يزال حيا؟ وأيضا فقد ورد في القران أن الشهداء لا يموتون. وكذلك فقد جاء في أحد أحاديث مسلم أنه عندما خاطب الرسول ﷺ أجساد أبي جهل وأمية والآخرين، وسأله عمر ﵁ كيف يمكن للأموات سماع كلامك، فأجاب الرسول ﷺ بأنهم يسمعون ولكنهم لا يمكنهم الرد. أرجو التكرم بالإجابة على سؤالي بالتفصيل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
١. ما جاء في السؤال من أن الميت لا يسمع شيئا من كلام الأحياء: هو حق وصدق. قال تعالى: (وما أنت بمسمع من في القبور) فاطر/٢٢، وقال تعالى: (فإنك لا تسمع الموتى) الروم/٥٢.
٢. من عقيدة أهل السنة والجماعة أن هناك فتنة وعذابًا في القبر وحياة في البرزخ، كما أن فيه نعيمًا وراحة بحسب حال الميت ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى عن آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) غافر/٤٦، فبيَّن الله تعالى أن آل فرعون يُعرضون على العذاب صباحا ومساء مع أنهم ماتوا، ومن هذه الآية أثبت العلماء عذاب القبر.
قال ابن كثير:
وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيًّا) .
" تفسير ابن كثير " (٤ / ٨٢) .
وفي حديث عائشة زوج النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ كان يدعو في الصلاة: " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ".
رواه البخاري (٧٩٨) ومسلم (٥٨٩) .
والشاهد من الحديث: أن النبي ﷺ كان يستعيذ من عذاب القبر وهو من أدلة إثبات عذاب القبر ولم يخالف في إثبات عذاب القبر إلا المعتزلة وطوائف أخرى لا يعبأ بخلافهم.
٣. وأما حديث مخاطبة النبي لأجساد المشركين يوم بدر فيحمل على حال مخصوصة وهي أن الله أحياهم لنبيه ﷺ ليخزيهم وليريهم الذلة والصغار:
أ. عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: وقف النبي ﷺ على قليب بدر فقال: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول.
رواه البخاري (٣٩٨٠) ومسلم (٩٣٢) .
ب. عن أبي طلحة قال: قال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله ﷺ: " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم "، قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما.
رواه البخاري (٣٩٧٦) ومسلم (٢٨٧٥) .
انظر فتح الباري (٧ / ٣٠٤) .
والشاهد أن أهل القليب اسمعهم الله كلام نبيه ﷺ لإذلالهم وتصغيرهم، ولا يصح الاستدلال بالحديث على أن الميت يسمع كل شيء لأنه خاص بأهل القليب، إلا أن بعض العلماء استثنى من ذلك سماع الميت للسلام، وهو قول يفتقر إلى الدليل الصحيح الواضح.
٤. أن عذاب القبر على الصحيح من أقوال العلماء يقع على الروح والجسد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأيضا تتصل بابدن أحيانا فيحصل له معها النعيم أو العذاب ".
وعلينا الإيمان والتصديق بما أخبر الله.
"الاختيارات الفقهية" (ص ٩٤) .
وقال ابن القيم:
وقد سئل شيخ الإسلام عن هذه المسألة، ونحن نذكر لفظ جوابه فقال:
بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة والجماعة، تُنعَّم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتنعم وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها فيكون النعيم والعذاب عليها في هذه الحال مجتمعين كما تكون على الروح منفردة عن البدن.
مذهب سلف الأمة وأئمتها:
أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى.
" الروح " (ص ٥١، ٥٢) .
ويضرب العلماء مثالا لذلك الحلم في المنام فقد يرى الإنسان أنه ذهب وسافر وقد يشعر بسعادة وهو نائم وقد يشعر بحزن وأسى وهو في مكانه وهو في الدنيا فمن باب أولى أن تختلف في الحياة البرزخية وهي حياة تختلف كلية عن الحياة الدنيا أو الحياة في الآخرة.
قال النووي:
فان قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يُسأل ويُقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر، فالجواب: أن ذلك غير ممتنع بل له نظر في العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها، وكذا يجد اليقظان لذة وآلما لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه منه، وكذا كان جبرئيل يأتي النبي ﷺ فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون، وكل هذا ظاهر جلى.
" شرح مسلم " (١٧ / ٢٠١) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والنائم يحصل له في منامه لذة وألم وذلك يحصل للروح والبدن حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أَنّه أُطْعِم شيئًا طيبًا فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود، فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به والذي إلى جنبه لا يحس به حتى قد يصيح النائم من شدة الألم أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه وقد يتكلم إما بقرآن وإما بذكر وإما بجواب واليقظان يسمع ذلك وهو نائم عينه مغمضة ولو خوطب لم يسمع: فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول أنه " يسمع قرع نعالهم "، وقال " ما أنتم أسمع لما أقول منهم "؟
والقلب يشبه القبر، ولهذا قال لما فاتته صلاة العصر يوم الخندق " ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارًا " وفى لفظ " قلوبهم وقبورهم نارًا " وَفرَّق بينهما في قوله: (بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور) وهذا تقريب وتقرير لإمكان ذلك.
ولا يجوز أن يقال ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب مثلما يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك، إذا قال السائل: الميت لا يتحرك في قبره والتراب لا يتغير ونحو ذلك مع أن هذه المسألة لها بسط يطول وشرح لا تحتمله هذه الورقة والله اعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
" مجموع الفتاوى " (٤ / ٢٧٥، ٢٧٦) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
1 / 334