4

Iqtifāf al-azāhir wa-liqāṭ al-jawāhir

اقتطاف الأزاهر والتقاط الجواهر

Editor

عبد الله حامد النمري

إِلَى أَنْ أَلحقْتُ الْفُرَاتَ بِالنّيلِ، وَبَلَغْتُ فِيمَا بَيْنَهُمَا غَايَةَ الْمُسْتَنِيلِ، وَجَعَلْتُ مَا بَيْنَ الأَنْدَلُسِ وَالشَّامِ كَمَرْحَلَةِ يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، وَمَا حَجَزَنِي عَنِ الْحِجَازِ قَطْعُ حَزْنِ وَلاَ سَهْلٍ، وَلاَ تَشَاغَلْتُ عَنْ ذَلِكَ بِوَطَنٍ وَلاَ أَهْلٍ، إِلَى أَنْ جَمَعْتُ بَيْنَ زِيَارَةِ الْحَرَمَيْنِ، وَحَصَلْتُ مِنَ الرّحْلَةِ عَلَى غُنْمَيْنِ. وَلَمْ يَرُعْنِي أَنَّ بِغَرْنَاطَةَ دِيَارِي، وَبِالشَّامِ مَزَارِي.
وَلَمَّا أَوْدَعْتُ طَرْفِي مِنْ مُشاهَدَةِ أَهْلِ الفَضْلِ مَا أَوْدَعْتُ، وَحَجَجْتُ بَيْنَ [إِفَادَتِهِمْ] وَاسْتِفَادَتِهِمْ فَتَمَتَّعْتُ، وَشَاهَدْتُ مِنْ مُلُوكِ الزَّمَانِ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ الأَمْصَارُ، وَشَهِدْتُ مِنْهُمْ مَنْ تَزَيَّنَتْ بِهِمُ الأَقْطَارُ، رَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ أَلْسُنُ الأَيَّامِ، وَشَهِدَتْ بِهِ مَعَارِفُ الأَنَامِ، كَمَنْ حَفِظَ النَّفْلَ وَضَيَّعَ الْوُجُوبَ، وَقَنِعَ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِأَنْ يَئُوبَ، إِذْ فَاتَنِي الأَمْرُ النَّادِرُ، وَالْمَوْرِدُ الَّذِي يَحْمَدُهُ الْوَارِدُ وَالصَّادِرُ، وَالْمَقَامُ الَّذِي تَنْفُقُ فِيهِ الْعُلُومُ، وَتَسْتَهِلُّ فَوَائِدُهُ كَمَا تَسْتَهِلُّ الْغُيُومُ، وَتُعْرَفُ لأهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ حُقُوقهمْ، وَتُجْتَنَبُ إِضَاعَتُهُمْ وَعُقُوقُهُمْ، شِنْشِنَةٌ تَوَارَثَهَا كَابِرٌ عَنْ كَابِرٍ، وَمَزِيَّةٌ خَلَّفَهَا أَوَّلٌ لآخِرٍ، حَرَمٌ لاَ يَضِيعُ نَزِيلُهُ، وَكَرَمٌ لاَ يُخَافُ أَنَّ الزَّمَانَ مُزِيلُهُ، وَمُلْكٌ تَتَهَلَّلُ لَهُ وُجُوهُ الخُطُوبِ وَتَنْفَرِجُ عِنْدَهُ مَضَايِقُ الكُرُوبِ، وَتَدُورُ بِأَنْهَارِ تَدْبِيرِهِ رَحَى الحُرُوبِ، وَيَشْتَمِلُ مِنَ المَجْدِ الأَصِيلِ عَلَى مَا اشْتَهَرَ وَشَذَّ مِنَ الضُّرُوبِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا فَتَنِي مِنْ هَذَا الحَظّ الَّذِي لاَ يُثْمِرُ غَرْسَ ارْتِحَالِي إِنْ لَمْ أَنَلْ مِنْهُ نَصِيبًا، وَلاَ أَجِدُنِي مَعَ فَوْتِهِ لِأَدَاءِ الوَاجِبِ مُصِيبًا، أقْسَمْتُ لأَزُورَنَّ دِيَارَ بَكْرٍ، مَدَّ

1 / 38