314

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

الانتصار على من خالفنا في هذه القاعدة إنما يكون بإبطال ما جعلوه عمدة لهم.

قالوا: والأخبار التي رويناها عن عائشة (رضي الله عنها) وعن ابن عباس وعن جابر، كلها دالة بعمومها على أن الدباغ مطهر، وهي ظاهرة في العموم، وهو أدنى متمسك في حق المجتهد حتى يدل دليل على خلافه.

قلنا: هذه الأخبار معارضة بمثلها، ومهما كانت الأمارات الظنية متعارضة، فلابد من الرجوع إلى الترجيح؛ لأن الترجيح تغلب على الظن قوته، ويصير كأنه غير معارض، وأخبارنا قد ظهر ترجيحها من أوجه ثلاثة:

أما أولا: فلأن أخبارنا دالة على الحظر، وما أوردوه من أخبارهم فهو دال على الإباحة، ولا شك أن الحاظر أحق بالاتباع من المبيح من جهة ما في الحاظر من الاحتياط في الدين، وقد قال عليه السلام: (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)). وفي حديث آخر: (( المؤمنون وقافون عند الشبهات)).

وأما ثانيا: فلأن أخبارنا مؤرخة؛ لأنه قال قبل موته بشهر أو شهرين: (( لا تنتفعوا من الميتة بشيء)). فهي دالة على التأخر وأخباركم مطلقة وظاهرها التقدم، فلهذا تطرق إليها ظن كونها منسوخة، وما يظن كونه ناسخا فهو أحق بالعمل عليه مما يكون منسوخا.

وأما ثالثا: فلأن أخبارنا لم يخرج من عمومها إلا ما كان لا ينجس بالموت كالقرن والضلف والشعر والصوف، فهو طاهر في حال الحياة والموت، فكان كالخارج عن الميتة بخلاف عمومات أخباركم، فإنه قد خرج منها جلد الكلب والخنزير والإنسان، وما هذا حاله فإنه يضعف العموم؛ لأنه إذا خرج هذا الجنس من الجلود عن العموم بأدلة منفصلة، جاز إخراج جلد كل ميتة بأدلتنا ويبقى متناولا لجلد ما ذكي، فإذا دبغ طهر عن الدم والفرث وسائر الأقذار التي تتعلق به.

قالوا: إن الله تعالى قال: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا}[النحل:80]. فأورد هذه الآية على جهة الامتنان، ولم يفصل بين المذكى منها وغير المذكى، بل هي عامة في الأمرين جميعا، وهذا هو مطلوبنا.

قلنا: هذا فاسد لأوجه ثلاثة:

Page 319