Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
والحجة على ذلك: ما حكيناه عنهم ونزيد هاهنا حجتين:
الحجة الأولى: ما روى جابر بن عبدالله عن النبي أنه قال: (( لا ينتفع من الميتة بشيء )). فلما كان من الغد خرج فإذا نحن بسخلة مطروحة على الطريق، فقال عليه السلام: (( ما كان على أهل هذه أن ينتفعوا بإهابها)). فقلت: يا رسول الله أين قولك بالأمس؟! فقال: (( ينتفع منها بيسير)). وأراد باليسير: ما لا تحله الحياة كالشعر والضلف والقرن، فإن ما هذا حاله يكون طاهرا كما سنوضحه بعد هذا بمشيئة الله تعالى. فظاهر هذه الأحاديث دالة على بطلان الانتفاع من الميتة بشيء لأجل عمومها؛ كالآية التي تلوناها في تحريم الميتة، وكالأخبار التي أوردناها.
الحجة الثانية: قياسية، وتقريرها أنا نقول: الميتة صارت نجسة لمعنى لا يرفعه الدباغ، فوجب أن لا يطهر كجلد الخنزير عند أبي حنيفة والشافعي، ونحو جلد الكلب على رأي الشافعي، ونحو جلد الإنسان على رأي أبي حنيفة.
وقولنا: لمعنى لا يرفعه الدباغ، تقرير لقاعدة القياس وهو: انتفاء الحياة عنه؛ لأن ذلك هو السبب في نجاسة الميتة، وهو ملازم لعينها، فلا يزال بأمر عارض وهو الدباغ، ومهما بقي الجلد فهو باق على النجاسة كالخمر فإنها لا تطهر مهما كانت خمرا، بخلاف ما إذا انقلبت خلا، وكالنجاسة مهما بقيت عينها فإن نجاستها باقية حتى تزول العين، وعين الجلد باقية على النجاسة بالموت فلا تزول بما ذكروه من عارض الدبغ.
ويؤيد ما ذكرناه: هو أن الماء ورد مطهرا لجميع النجاسات كلها، والدباغ ليس له هذه المزية فإنه قاصر عنه ولا يكون مطهرا إلا للجلد لا غير(¬1) فإذا كان الماء لا يطهر جلد الميتة مع استيلائه على التطهير لجميع الأقذار والنجاسات فالدباغ أحق وأولى بأن لا يكون مطهرا.
ثم نقول: الذكاة في التطهير أقوى من الدباغ، ولهذا فإنها تؤثر في طهارة الجلد واللحم وتؤثر في محلها وغير محلها، والدباغ لا يؤثر إلا في طهارة الجلد لا غيره، ولا يؤثر في غير محله، ثم إن الذكاة في حق الميتة لا تطهر جلدها، فالدباغ أحق بأن لا يطهره لما قررناه، ولا جلد حيوان غير مذكى، فوجب تحريم الانتفاع به كما كان قبل التذكية. فهذه الأقيسة كلها متطابقة على نجاسة جلد الميتة وإن كان مدبوغا وأن دباغه لا يؤثر في طهارته.
Page 318