Imbaraturiyya Islamiyya
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Genres
كيف نستخلص من هذه المبادئ التي وضعها الإسلام أساسا للحضارة، ما يمكن أن يكون نظاما للحكم صالحا لتحقيق أغراضها؟ نستخلص هذا النظام من تاريخ الإسلام نفسه، ونستخلصه كذلك من تاريخ الأمم المختلفة على تباين العصور، فقد ثبت أن اختلاف العقيدة الأساسية كان دائما موضع قلق في الأمة الواحدة، لهذا دعا الإسلام إلى وحدة العقيدة على أساس بسيط كل البساطة، يسيغه العقل الإنساني في مختلف الأمم وفي مختلف الأزمان. يقول تعالى:
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
وأنت ترى التوحيد عقيدة يؤمن الناس بها في مختلف أقطار الأرض، وعلى اختلاف أديانهم ومذاهبهم، اليهود موحدون في أساس عقيدتهم، ومنهم موحدون جهرة. وفي كثير من الأديان المعروفة في آسيا تعلو فكرة التوحيد على كل فكرة أخرى، أنت تراها في البوذية، وفي غير البوذية من الأديان. ولا عجب أن يكون ذلك، وفكرة التوحيد من البساطة والوضوح بما يدعو إليها كل عقل وكل جنان.
ثبات سنة الكون
هذا هو المبدأ الأول للحضارة الإسلامية، والمبدأ الثاني هو ثبات سنة الكون وعدم تعرضها للتغير. وقد وردت في هذا المعنى آيات كثيرة، تنص على أنك لن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنته تحويلا. وقد انتهى العلم في عصرنا إلى تقرير هذا المبدأ في أمر الأحياء وغير الأحياء على السواء، وفي أمر الجماعات وأمر الأفراد كذلك. ومن خير ما وقعت عليه في هذا المعنى ما ذكره الفيلسوف الفرنسي «هيبوليت تين» من أننا لو استطعنا أن نبلغ من طريق العلم معرفة شئون الأحياء بالدقة التي نعرف بها شئون غير الأحياء، لاستطعنا أن نعرف مصائر الأفراد والأمم بالدقة التي نعرف بها مواقيت كسوف الشمس وخسوف القمر، ولأتيح لنا يومئذ أن نقرر على نحو علمي ثابت مصير الإنسانية بعد قرون وقرون.
المساواة بين الناس
وحدانية الله وثبات سنته في الكون يقتضيان المساواة بين الناس أمام الله وخضوعهم على السواء لسنته جل شأنه، وهذه المساواة هي المبدأ الثالث من مبادئ الحضارة الإسلامية، وعلى أساسها أقام العرب صلاتهم بغيرهم من الأمم التي اتصل الغزو بينها وبينهم في العهد الأول، فالمؤمن أخ المؤمن، يتساوى معه في الحق والواجبات، لا فرق بين عربي وعجمي. ومع ذلك لم يفرض الإسلام على الناس بالسيف، بل بقيت حرية الاعتقاد وحرية الرأي مطلقة من كل قيد. بذلك طبقت الآيتان الكريمتان:
لا إكراه في الدين
و
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
Unknown page