Imbaraturiyya Islamiyya
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Genres
تطبيقا صادقا.
وغاية ما فرض على الذين لم يعتنقوا الإسلام، أن يدفعوا الجزية ليكونوا في حماية المسلمين يتولون دون سواهم القيام بأعباء الحرب، والدفاع عن كيان الدولة وذمارها، على أن عمر بن الخطاب لم يأب على من اطمأن إلى ولائهم حين الحرب واشتراكهم فيها في صفوفه، أن يعفوا من الجزية وأن يتساووا مع المسلمين في الأعباء العامة.
عقيدة التوحيد، وثبات سنة الكون، والمساواة بين المؤمنين مساواة قائمة على الإخاء أكثر من قيامها على التنافس، مبادئ إسلامية مقررة، يشترك فيها الرجل والمرأة اشتراك مساواة تامة، فقد وجه القرآن الكريم الحديث للرجال والنساء في كل أمر من الأمور، وجعل على الجنسين واجبات متساوية. وهذه المساواة سبق بها الإسلام الشرائع الحديثة، وهي تعتبر بعض قواعد الحضارة الإنسانية كما صورها الإسلام، ويجب لذلك أن تكون من أسس النظام الإسلامي للحكم، يقررها التشريع وتجري على موجبها قواعد الخلق. وإذا كان الأمر فيها قد تغير بعد قليل من العهد الإسلامي الأول، فإنما مرجع ذلك إلى العوامل التي ناقضت القواعد الإسلامية، والتي أشرنا إليها من قبل.
هذه المبادئ وما يتصل بها من قواعد الخلق تعتبر في نظر الإسلام واجبات وثيقة الاتصال بإيمان الإنسان بالله. وإذا كانت حضارة عصرنا الحاضر تعتبر الكثير منها حقوقا للإنسان، له حرية التمتع بها ما شاء، فإن الإسلام يراها فروضا واجبة لا يصح للإنسان أن ينزل عنها أو يتهاون فيها. هي حقوق له إزاء أمثاله، وواجبات عليه إزاء بارئه جل شأنه، هو خلقه ليستمتع بها، واستمتاعه الصحيح بها عبادة الله. فإذا هو نزل عنها أو قصر فيها كان مسئولا أمام الله في هذه الدنيا، وكان مسئولا أمامه في الآخرة.
وهذه المسئولية هي أساس الجزاء. والجزاء الأوفى عند الله هو الذي يجعل المسلم يسمو بالقيم الخلقية سموا كبيرا أنه لا يخاف جزاء الشارع عنها في هذه الحياة، لكنه مع ذلك غير ناج من جزاء الله المطلع على خافية الأنفس وما تخفي الصدور. من ثم كانت الأقدار الخلقية جليلة المقام في الحياة الإنسانية لدى الجماعة الإسلامية. ولذلك من غير ريب أثره البالغ في حياة الجماعة وفي نظامها وفي الحكم وآثاره.
والإسلام يقر التملك والأسرة والميراث ويقررها، ويرى بعضهم لذلك أنه يتفق في اتجاهه الاقتصادي مع المذهب الفردي، وهذا خطأ، فالإسلام حين يقرر التملك والأسرة والميراث، يجعل في مال ذي المال حقا معلوما للسائل والمحروم، ويجعل فرضا على الجماعة أن تكفل للفرد حياته. ومن الخطأ الظن بأنه لذلك يتفق في اتجاهه الاقتصادي مع المذهب الاشتراكي، إنما الإسلام مزاج من المذهبين، يزاوج بينهما في ظل قواعد الخلق المتصلة بالإيمان ذلك الاتصال الوثيق الذي أشرنا إليه.
نظرية الواجب
يجعل الإسلام فرضا على الجماعة أن تكفل للفرد حياته، وهذه الكفالة تبدأ من يوم ولد، وتظل إلى يوم يموت. وهي لا تقف في حدود القوت لمن لا يجد القوت، بل هي تتناول كل حاجات الفرد الإنسانية على اختلاف صورها، فمنذ عهد النبي كان تعلم الناس وتفقههم في دينهم بعض واجبات الجماعة للفرد. وظل الأمر كذلك في مختلف العهود حتى في عهود الانحلال والتدهور، فحيثما أقيم مسجد للعبادة أقيمت معه مدارس يتعلم فيها أبناء المسلمين فتية وفتيات، واعتبر ذلك واجبا لا محيد عنه، وأمر الصحة كأمر التعليم، كانت تقام المستشفيات إلى جوار المساجد، وعلى مقربة منها - وكان الناس جميعا يؤمونها - لأن الصحة العامة كانت بعض واجبات الدولة للأفراد، كما كانت بعض واجبات الأفراد على أنفسهم لله.
نظرية الواجب هذه أساسية في النظام الإسلامي، وهي مستمدة من مسئولية الإنسان أمام الله أولا وقبل كل شيء. الإنسان مسئول أمام الله عن كل أعماله، كبيرها وصغيرها، دقيقها وجليلها، مسئول عن نواياه مسئوليته عن أعماله، فالنوايا مظاهر نفسية يطلع الله عليها، كما أن الأعمال مظاهر مادية يطلع الله ويطلع الناس عليها. والجماعة الإنسانية مسئولة أمام الله كمسئولية الفرد سواء بسواء، عليها واجبات للفرد وواجبات لنفسها، إن قصرت في أدائها لقيت جزاءها من الله كما يلقى الفرد جزاءه من قضائه، والقائمون بأمر الجماعة هم الذين تقع هذه المسئولية على عاتقهم أولا وبالذات.
وتقرير نظرية الواجب على هذا النحو يجعل ما نسميه في التفكير الحديث حقوقا، بعض هذا الواجب علينا أفرادا وجماعات، ولهذا لا نملك النزول عنه، فالحرية العقلية واجب؛ لأننا إذا نزلنا عنها ضللنا طريق الهدى إلى الله وعجزنا عن معرفة سنته في الكون. والدفاع عن حرية الغير واجب؛ لأن الاعتداء عليها منكر، ورسول الله يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فإن لم يقدر فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.» وحب الغير واجب؛ لأن المرء لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وفعل الخير واجب القادر عليه لأنه المظهر الأول لحب الغير، وتضامن الجماعة واجب لأنه الكفيل بحريتنا في أداء واجباتنا وإبراء ذمتنا منها أمام الله وأمام الناس، وهو الكفيل لذلك بسعادة الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة. •••
Unknown page