56

قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين (67 من البقرة).

فهذه دقائق لمن أراد أن يستشف الحق من سر العربية.

وقد انتهينا من استخفاف الفتحة واستحباب العرب إياها، وتفضيلها في اللفظ على أختيها، وعلى السكون أيضا، واعتمدنا في ذلك على طبيعة النطق، وعلى روح العربية في الاستعمال.

ومما يشهد بأن الفتحة ليست بعلم إعراب، وأنها تخالف في ذلك أختيها الضمة والكسرة، ما قرره النحاة في أوجه الوقف على المتحرك الذي قبله ساكن؛ قالوا: «إذا وقفت على كلمة قبل آخرها ساكن؛ مثل: عمرو، وبدر. جاز لك نقل حركة الإعراب إلى هذا الساكن؛ إذ كانت ضمة أو كسرة، أما إذا كانت فتحة فليس لك ذلك؛ تقول: هذا البدر والبدر، ونور البدر والبدر، فإذا قلت: انظر البدر. امتنع أن تنقل الفتحة إلى الدال.» قال أبو القاسم الزمخشري في المفصل:

22 «وبعض العرب يحول ضمة الحرف الموقوف عليه وكسرته على الساكن قبله دون الفتحة في غير الهمزة، تقول: هذا بكر ومررت ببكر.» ا.ه.

فواضح أن العرب فرقت ما بين الفتحة وبين أختيها، ثم احتالت لتحتفظ بهاتين الحركتين على ما في النطق بهما من شدة، ولم تر أن تحتفظ بالفتحة، على سهولتها ويسر نطقها في مذهب الجميع، ولا يمكن أن أرى هذا التفريق عبثا، ولكن كانت الضمة والكسرة علامة على معان، فاحتفظ بهما، ولم يكن في الفتحة ما يدعو إلى هذا الاحتفاظ.

وحكم آخر من أحكام الوقف، فيه تأييد لما ذهبنا إليه، وهو الوقف بالروم، وتفسيره على ما في كتب القراءات: أن تنطق الحركة بصوت خفي يسمعه القريب، بينما يحسب من كان بعيدا منك أنك قد وقفت مسكنا، والوقف بالروم سائغ لجميع القراء في موضعه، وليس خاصا بإمام منهم دون إمام.

ولا يكون الروم عند الوقوف على ساكن، ولا على متحرك بالفتح، وإنما يكون في الضمة والكسرة.

23

وترى هنا ما رأيت في المثل الأول من الاحتفاظ بالحركتين - الضمة والكسرة - والإشارة إليهما بوجه ما وإغفال الفتحة؛ وذلك عندنا لما في الحركتين من معنى يراد دون الفتحة.

Unknown page