ثم التأنيث، وقد أخطأ النحاة في عده من موانع الصرف؛ وذلك لأن أكثر هذا الباب استعمالا أسماء البلاد، وأسماء القبائل، وهي ترد منونة وغير منونة. قال النحاة: إنك إذا قصدت في اسم المكان إلى البقعة لم تصرف، وإذا قصدت إلى المكان صرفت ونونت؛ وإن اسم القبائل إذا أردت منه القبيلة والجماعة منعت التنوين، وإذا أردت إلى الجمع والقوم نونت، وهذا تمحل من النحاة يدل على أنهم رووا هذه الأسماء مصروفة وغير مصروفة، فتكلفوا لها هذه العلة وهي التأنيث، والمروي لا يساعدهم، يروون :
وهم قريش الأكرمون إذا انتموا
طابوا أصولا في العلا وفروعا
فلو أن منع الصرف كان بنية التأنيث في قريش، وأنها القبيلة أو البطن لم يستقم مع هذا وصفها بجمع المذكر السالم. ونحن نرى أن مناط التنوين وعدمه، القصد إلى معين، فقد يقول الشاعر: «قريش» وهو يعني هذا الجمع المحدد المشار إليه فلا ينون، وقد يريد من قريش هذه الجماعات الكثيرة التي لا يرمى إلى تعيينها والإحاطة بأولها وآخرها فينون، فملاك التنوين إرادة التعيين.
كذلك أسماء البلاد. وصريح في هذا ما روى أبو بكر الزبيدي: «أن أبا عبد الله كاتب المهدي قال: «قرى عربية» فنون، فقال شبيب بن شبة: إنما هي «قرى عربية» غير منونة، فسألوا أبا قتيبة الجعفي الكوفي النحوي، فقال: «إن كنت أردت القرى التي بالحجاز يقال لها قرى عربية فهي لا تنصرف، وإن كنت أردت قرى من السواد نونت.» قال: «إنما أردت التي بالحجاز.» قال: «هو كما قال شبيب».» ا.ه.
11
ففي هذا شهادة نحوي وعربي أن التنوين هنا مناطه التعيين.
وما عدا أسماء البلاد والقبائل من المؤنثات فهو قليل إذا قيس إلى سائرها، وقد رجعنا إلى القرآن الكريم فوجدنا أسماء الأعلام المذكرة فيه كثيرة، أما أعلام الإناث فقليلة، وأغلبها لمكان «كمكة، ويثرب»، ولقبيلة «كعاد وثمود»، وليس فيه من علم لأنثى حقيقة إلا «مريم» وهو اسم أعجمي، فإذا أردت غير القرآن حجة، ورجعت إلى الشعر لم تجد فيه من دليل، وهم يقولون: «ويصرف الشاعر ما لا ينصرف.»
انتهينا إذن من العلمية، ومناقشة العلل التي يمنع لها الاسم من الصرف مع العلمية، وأثبتنا ما قررناه من أن الأصل في كل علم ألا ينون، وأنه إنما ينون إذا قصد إلى تنكيره، وأنه يكون آنس بالتنوين إذا كان له فيه أصل. وتبين أن أصلنا هذا أوفق للعربية، وأمضى في تفسير ما روى النحاة من كلام العرب.
الوصفية
Unknown page