وفشت الأمراض النفسية بين الناس، وصارت الهستريا تصيب الرجال والسيدات، والمتقدمين في السن، كما لو كانت أنفلوانزا، وكثيرا ما رأيت أحد القاعدين في مقاهي الأوبرا وشارع فؤاد يهب صارخا وعينه مثبتة في السماء، وكنا نسارع إلى نضحه بالماء حتى يفيق، فإذا أفاق لم يذكر ماذا فعل.
ورأيت أحد الشباب قد وقف في «جروبي» ثم نزع ملابسه كلها، وخرج يعدو وهو عريان يصرخ: التوبة، التوبة، أشهد أني تائب، اصفحوا عنا أيها المريخيون، وكان المسكين قد اختبل عقله من الوسوسة التي لازمته.
والواقع أننا كلنا قد اختبلنا، ولكن بدرجات تتفاوت؛ لأن أخبار الأطباق الطائرة تكاثرت؛ ولأن الحكومات نفسها، وهي تحاول نشر الطمأنينة، كانت تنشر القلق؛ لأن استعداداها الذي كانت تفخر به كان برهانا على أننا على وشك حرب كوكبية قد تكون فيها نهاية العالم. •••
وذات صباح خرجت الجرائد بنبأ مرعب، ولم يكن هذا النبأ سوى إعلان قد كتب بحروف كبيرة في الصفحات الأولى من كل جريدة ، وأنا أنقل نصه لقيمته التاريخية: «نعلن نحن المريخيين السبعة أننا قد هبطنا الأرض بعد دراسة دامت أكثر من عشر سنوات، وأننا قد عرفنا كل كبيرة وصغيرة فيها، وأننا ننوي استغلال هذا الكوكب لخير الأرضيين والمريخيين معا، وهذا بعد أن أيقنا أن الأرضيين قد عجزوا عن استغلال كوكبهم إلا بمقدار واحد في الألف لجهلهم للعلوم، بل إن هذا الاستغلال لم يتجاوز جزءا يسيرا من قشرة الأرض، وليثق الأرضيون أننا سنعمم، بما نعرف من علوم، الخير والرخاء والصحة بينهم، وأنهم سيحمدون لنا تولينا الحكم الذي ستظهر نتائجه بعد شهور.
وكل محاولة لقتل أحد المريخيين أو إيذائه ستؤدي إلى نسف القطر الذي ينتمي إليه، وإحالته إلى صحراء بالقوات الذرية التي نملكها، فليحذر الأرضيون، فإننا لا نريد أن نمحوهم، ولكننا نبغي الاشتراك معهم في استغلال كوكبهم».
قرأنا هذا الإعلان ونحن في رهبة، وإني لأذكر إحساسي في ذلك الصباح، ولا أخجل من أن أقول إنه كان إحساس الراحة بعد القلق، أو الطمأنينة بعد الخوف، حتى ولو كانت طمأنينة الموت.
لا ... لم تعد هناك شائعات أو شكوك؛ فقد رسينا على يقين.
وظهرت الجرائد في طبعات خاصة بعد الظهر، وقرأنا فيها أن المريخيين السبعة يقيمون في طبق طائر على مسافة خمسة كيلو مترات من باريس، وأن الحكومة الفرنسية قد أوفدت إليهم وفدا مؤلفا من أعضاء الوزارة وكبار القضاة الذين قدموا لهم فروض الولاء.
وفي صباح اليوم التالي أعلنت جميع الوزارات في حكومات الأرض استقالاتها وقدمتها بالتلغراف للسبعة المريخيين.
وكان مما يلفت النظر أن السير «ونستون تشرشل» أوضح في خطاب استقالته حاجة بريطانيا إلى المستعمرات، وناشد المريخيين ألا يحرموها مستعمراتها، وكان «مالنكوف» حريصا على أن يقول للسبعة إن النظام الاشتراكي هو بالطبع نظام المريخيين؛ لأنه النظام العادل، وتبرع «أديناور» بجيش ألماني يكون في خدمة المريخيين وينفذ إرادتهم، أما «أيزنهاور» فقد رحب بالمريخيين وقال إن الأمريكيين مستعدون لأن يشتركوا معهم في الأبحاث الذرية للإنتاج الحربي والسلمي معا. •••
Unknown page