ذكريات قلب
وأحست أني رجل، وأن لي شخصية، وأني مسئول؛ ألست أحب؟ ألست محبوبا؟ أليس في قلبي سر؟!
هي ذكرى لا ينساها قلبي، كما لا تزال موضوع تنهداتي كلما قعدت على عشب أو تنسمت أرج الزهر، أو هبت علي نسمة في الصباح.
لقيتها لأول مرة وهي قاعدة على مقعد مستطيل في تلك الحديقة الجميلة التي تقع على الشاطئ الغربي من النيل، وكانت قد ابتعدت عن تجمعات الزائرين، وكانت معها كراسة تدرس فيها.
وسعت بي قدماي إليها، وأنا لا أقصد غير النزهة، أتأمل العشب، وأستمتع بإنضاج الأرض، وأتنفس هواء الصباح البارد، وتأملتها قبل أن أبلغها، وأجملت النظرة إليها وأنا أبطئ السير، وكانت سنها لا تزيد على الثامنة عشرة، وكان جمالها مصريا؛ شعر أسود، وعينان وديعتان، وصدر ناهد، وأنوثة عذبة.
وتجاوزت مكانها على الممشى الذي يكسو الرمل، ولكني أحسست في قلبي نداء إليها كأنه دوار أو حنين أو نشوة.
والتفت إليها فوجدتها تنظر إلي، فكانت لحظة من السعادة ما زلت إلى الآن أسترجعها في ذهني، وأعيد تفاصيلها، وأهنأ بذبذباتها العاطفية في نفسي.
وعدت من فوري إلى مقعدها، وقعدت إلى جانبها، وبيني وبينها فرجة. وما أجمل، وما أسعد، تلك الاختلاجة التي عمت جسمها وجعلتها ترتبك في حياء مذهل وحركات مشوشة من اليدين والرأس استدللت منها على الاختلاط في إحساساتها لقعودي إلى جانبها! واغتبطت.
وكان قلبي في لغط وضوضاء، وقد تولت يدي وقدمي رعشة، ولا أعتقد أني كنت أستطيع الحديث إليها لو كنت قد أردت.
وقصارى ما فعلت أني قعدت صامتا، وأحسست أن أرض الحديقة وسماءها وأشجارها قد انفجرت غناء، وكأن قلبي قد انفتح لعصر جديد.
Unknown page