208

واعلم أن الشفاعة لا تخلو إما أن تسقط العقاب بنفسها أو يكون المسقط له هو المشفوع إليه عندها والأول باطل إذ العقاب حق للمشفوع إليه لا للشفيع فلا يسقط بإسقاط الشفيع فيتعين الثاني وحينئذ يكون إسقاطه للعقاب إنما هو على وجه التفضل مع بقاء الاستحقاق وإسقاطه كذلك مما لا مدخل للعقل فيه بل إنما يعرف بالسمع، وأدلة السمع قد دلت على عدم الشفاعة لهم كقوله تعالى{ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع}(غافر:18) والظالمين جمع معرف باللام وشفيع نكرة في سياق النفي فيقضي العموم في كل منهما وقد تقدم أن دلالة العام في مثله قطعية وقوله تعالى خطابا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم{أفأنت تنقذ من في النار}(الزمر:19) وقوله تعالى{لا تجزئ نفس عن نفس شيئا}(البقرة:48) ثم قال تعالى{ولا تنفعها شفاعة}(البقرة:123) ثم قال{ولاهم ينصرون}(البقرة:48) ونفس وشفاعة وينصرون نكرات في سياق النفي فتكون عامة. وقوله تعالى{قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}(البقرة:254) وقوله تعالى{وما للظالمين من أنصار}(البقرة:270) وقوله تعالى{وما هم عنها بغائبين}(الإنفطار:16) ولو صحت الشفاعة لهم لغابوا عنها، وقوله تعالى{مالهم من الله من عاصم}(يونس:27) وقوله تعالى{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}(الأنبياء:28) وهذا عن الملائكة وقد ثبت أنهم أفضل من الأنبياء فنفى شفاعتهم إلا لمن ارتضى والفاسق غير مرضي، وقوله أيضا عنهم{ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم}(غافر:07) فهذه أدلة قطعية لا يدخلها التشكيك على أن الشفاعة موضوعها جلب النفع كدفع الضرر كما ذكرنا ذلك في ماهيتها. ومما يؤيد ذلك ما يقال يشفع الوزير إلى الأمير ليزيد فلانا في رواتبه وعطيته، كما يقال شفع إليه ليصفح عن جرمه وخطيئته.

وقال الشاعر:-

فذاك فتا إن جئته لصنيعة .... إلى ماله لم تأته بشفيع

Page 247