159

الذي يدل على ذلك المذهب الصحيح وهو القول بأنه محدث مخلوق أنه حروف وأصوات وهي غير باقية فضلا على أن تكون قديمة وأنه متعدد مرتب، أما التعدد فلأنه حروف وكلمات ذات كثرة وتعدد، وأما الترتيب فلتقدم بعض حروفه على بعض وتأخر بعضها عن بعض وإذا قطعنا بأنه متعدد ومرتب منظوم في الوجود يوجد بعضه في أثر بعض وجب القطع بأنه محدث لأن المرتب على هذا الوجه يجب أن يكون محدثا وذلك ظاهر، فإن وجوب ترتيبه من ضروريات إفادته ألا ترى أن قوله تعالى{ الحمد لله}(يونس:10) حروف وقد تقدم بعضها على بعض فلو لا أن اللام متقدمة على الحاء والحاء متقدمة على الميم والميم متقدمة على الدال لم تكن كلمة مفيدة لهذا المعنى بل كان يجب لو وجدت معا أن لا تكون حمدا أولى من أن تكون دمحا فبان أنه مرتب في الوجود وأن بعضه متقدم على بعض والذي يدل أن ماذاك حاله يجب أن يكون محدثا أن المسبوق من حروفه يجب أن يكون محدثا لأنه قد تقدم غيره وهو السابق له في الوجود وما تقدمه غيره فهو محدث وكذلك السابق على المحدث بوقت واحد أو أوقات محصورة محدث أيضا لأنه قد صار لوجوده أول يشار إليه، وقد جاء السمع بتأييد ما ذهبنا إليه قال تعالى{ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون}(الأنبياء:02) وقال تعالى{وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث ... الآية}(الشعراء:05) وجه الاستدلال: بالآية الأولى أن الكفار كانوا يلعبون ويلغون عند استماع القرآن ونزوله فنزلت هذه الآية ذما لهم وإخبارا عن حالهم وأن قلوبهم لاهية عن ذلك فكان ذلك معهودا يصرف الخطاب إليه ويثبت بهذه الآية حدوث الذكر لأن القرآن يسمى ذكرا لقول الله تعالى{وإنه لذكر لك ولقومك}(الزخرف:44) وقوله تعالى{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(الحجر:09) وهكذا وجه الدلالة في الآية الثانية.وغير ذلك من الأدلة السمعية كقوله تعالى{الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}(الزمر:23) وهذه الآية تدل على حدوث القرآن من وجوه:

أحدها:أنه وصفه الله بأنه منزل والقديم لا يجوز عليه النزول.

وثانيها: بأنه وصفه الله بأنه حسن والحسن من صفات المحدث .

وثالثها: بأنه وصفه بأنه حديث والحديث يناقض القديم.

ورابعها: بأنه وصفه بأنه كتاب والكتاب هو المجتمع ولذلك سميت الكتيبة كتيبة لاجتماعها والاجتماع من صفات المحدثات.

وخامسها:أنه وصفه بأنه متشابه والمراد بذلك أن بعضه يشبه البعض في جزالة الفاظه وجودة معانيه والقديم لا يشبهه غيره. فثبت أن قول الحشوية بأن هذا القرآن الذي نتلوه في المحاريب قديم في غاية السقوط ونهاية البطلان، وأما القائل بالكلام النفساني بأنه هو القديم وهذا محدث فقد تقدم الجواب عليه في المسألة الأولى ولا كلام عليه في هذه المسألة إذ هو موافق في أن هذا القرآن محدث، وأما ما يقوله محمد بن شجاع ومن وافقه من أن القرآن ليس بمخلوق فذلك باطل لأن المخلوق في أصل اللغة هو المحدث مقدرا، يقولون خلقت الأديم هل يحيي منه مطهرة أي قدرته.قال الشاعر:-

Page 192