Idah Fi Sharh Misbah
كتاب الإيضاح في شرح المصباح
Genres
قلت: كلامه هذا أوضح دليل على بطلان تأويل بعض المتأخرين لكلامه. وقول ابنه المرتضى لدين الله عليه السلام في كتاب الشرح والبيان: العرض لا يقوم بنفسه ولابد له من شبح يقوم فيه وبه. وقول أخيه الناصر عليهما السلام في كتاب النجاة: لا يقوم عرض إلا في جسم ولا جسم إلا في عرض.وقول القاسم بن علي عليهما السلام في كتاب التجريد: فإن قال السائل فلا أرى لله إرادة إذا كان مراده وجود فعله، فإنا نقول إن مراده لو لم يكن وجود فعله لكانت صفاته كصفات خلقه. وقول ابنه الحسين بن القاسم عليهما السلام في كتاب الرد على الملحدين: ولو كانت إرادته قبل فعله لكانت كإرادة المخلوقين ولكانت عرضا من جسم ولو كان جسما لأشبه الأجسام، وإنما إرادته فعله وفعله مراده وليس ثم إرادة غير المراد فيكون مشابها للعباد. وذكر الإمام المنصور بالله عليه السلام في الرسالة الناصحة: إن من جملة محالات المطرفية قولهم في الإحالة أنها لا حالة ولا محلولة محال وذلك يدل على أن قول من قال في الإرادة أنها لا حالة ولا محلولة محال كالقول في الإحالة. نعم وفي الناس من يزعم أن الباري مريد بإرادة قديمة وهؤلاء هم الكلابية والأشعرية من المجبرة بناء منهم على أصلهم في سائر الصفات وقد مر إبطاله. وقالت النجارية من المجبرة: بل هو تعالى مريد لذاته وكلامهم باطل لأنه يلزم أن تكون متقدمة على المراد، والإرادة المتقدمة توطين النفس وذلك لا يصح على الباري ويلزم أن تكون ذاته مختلفة لأن إرادته الصيام في رمضان خلاف إرادته تركه يوم الفطر لأن التخالف لا يكون إلا بين شيئين فصاعدا. وقال هشام بن الحكم ومتابعوه من الرافضة: إرادته تعالى حركة لا هي هو ولا هي غيره، وقولهم هذا غير معقول ويحتمل أن يريدوا الحركة على حقيقتها على القول بالتجسيم وأن يريدوا بها صفة المريدية التي أثبتها غيرهم فيكون خطأ في العبارة فقط. وقال الحضرمي وعلي بن متيم: بل حركة في غيره.
قلنا: إذا فالمريد غيره وإن سلم لزم الحاجة إليه وأن يكون أول مخلوق غير مراد لعدم وجود غيره تعالى وذلك يستلزم نحو العبث كما مر.
واعلم أنه يرادف الإرادة في اللفظ الرضى والمحبة والولاية، فإذا قيل رضي الله عن فلان أو والاه أو أحبه فمعناه أراد نفعه منه ومن غيره وكره ضره منه ومن غيره.
وتحقيق ذلك المعنى الحكم باستحقاق الثواب قبل وقته وإيصاله إليه (في وقته) والكراهة ضد المحبة ومعناها الحكم باستحقاق العذاب قبل وقته وإيصاله إليه في وقته، والسخط بمعنى الكراهة.
ثم اعلم أن كل فعل يصدر منه تعالى فهو مريد له عندنا خلافا لمن قال خلق إرادة ولم يردها وهو تعالى مريد لفعل الطاعات وترك المقبحات لا فعل المباح إذ لا ترجيح لفعله على تركه خلافا للبلخي، ومريد لأكل أهل الجنة إذ هو أكمل للنعمة، وإذ لا خلاف
بين العقلاء أن الموفر العطاء من أهل المروة والسخاء يريد أن يقبل المعطى ما وفر إليه والله جل وعلا أولى بذلك وهذا مذهب أبي هاشم خلافا لأبي علي، وأما فعل المعاصي فقالت العدلية: إن الله تعالى منزه عن إرادته فهو تعالى لا يريد الظلم ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد بل ذلك حادث بإرادة العباد وهي منهم توطين النفس على الفعل أو الترك وقد يكون مقارنة للمراد. وقالت المجبرة: بل هو تعالى مريد لكل واقع إذ لا يقع في ملك الله إلا ما يريده ويرضاه ويحبه.
Page 168