وكان ديجنه مشبكا أنامله وقد علته صفرة الموت وانهمر الدمع من عينيه.
وساد بيننا السكوت، وقرعت الساعة فذكرتني فجأة أنني في مثل هذا اليوم وهذه الساعة منذ سنة تكشفت لي خليلتي مخادعة خائنة.
فصحت بديجنه: أتسمع دقات هذه الساعة؟ أتسمعها ... إنني لا أعلم بماذا تنذرني؟ ولكنني أشعر أنها ساعة رهيبة سيكون لها شأنها في حياتي.
وكنت أتفوه بهذه الكلمات وأنا مسلوب الإرادة، مضعضع الحواس، وفتح الباب فجأة في تلك اللحظة نفسها، ودخل القاعة أحد الخدم، فأخذ بيدي وانتحى بي إلى زاوية وأسر إلي قوله: أتيت لأخبرك يا سيدي بأن أباك على فراش الموت؛ فقد أصيب بالشلل، ولا أمل للأطباء في حياته.
الجزء الثالث
الفصل الأول
وكان والدي يقطن ضاحية قريبة من باريس، وعندما وصلت إلى المسكن رأيت طبيبا واقفا أمام الباب فقال لي: لقد وصلت متأخرا، وكان أبوك يتمنى لو يراك للمرة الأخيرة.
دخلت فإذا والدي مسجى وقد فارقته الحياة، فقلت للطبيب: أرجوك أن تبعد كل من في الغرفة. دعني وحدي؛ فقد كان لوالدي ما يقوله لي، ولسوف يقول كلمته الآن.
وخرج الخدم فتقدمت إلى السرير ورفعت الغطاء عن وجه الميت، ولكنني ما ألقيت نظري عليه حتى تراميت لتقبيله فأغمي علي.
ولما أفقت على فراشي في غرفة أخرى سمعت من حولي يقولون: لا تدعوه يذهب وإن أصر. انتظرت حتى رقد جميع من في البيت، وأخذت مصباحا وتوجهت إلى غرفة الميت، فوجدت فيها كاهنا فتيا جالسا قرب السرير، فقلت له: لا حق لك بأن تنازع ولدا ليلة أخيرة يقضيها قرب أبيه. لا أعلم ماذا قيل لك بشأني، غير أنني أرجوك أن تدخل إلى الغرفة المجاورة، وأنا اتخذ على عاتقي كل تبعة قد تقع عليك.
Unknown page