ولا ممن مضى في عصر من هاتيك العصور، وإن ذكرهم
المؤرخون منهم ترجموه ترجمة مغسولة عن الفائدة عاطلة عن بعض ما يستحقه، ليس فيها
ذكر مولده ولا وفاته، ولا شيء من مسموعاته ولا مقروءاته، لأن الذي ينقل أحوال شخص
إلى غيره ينبغي له أن يكون من معارفه وأهل بلدته، فإذا أهمله عارفوه أهمله غيرهم وجهلوا
أمره.
ومن هذه الجهة أجدني إذا ترجمت في هذا الكتاب أحدًا منهم لم أدر ما أقول! لأن أهل
عصره اهملوه فلم يبق لدي من بعدهم إلا مجرد أنه فلان لا يدري متى ولد ولا في أي وقت
توفي وبماذا انفرد في حياته من المزايا! فمن عرف ما ذكرناه علم أني بفضل الله سبحانه
وتوفيقه أجدت في كتابي هذا وأبدعت وصنعت ما لم يستطعه كبار العلماء مع توفر
رغباتهم في الجمع والتصنيف لا سيما في هذا الكتاب.
وإني لم أقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير، أو طاعة وزير أو أمير، ولم أداهن فيه أحدًا
بنفاق، أو مدح أو ذم مباين للأخلاق، لميل نفساني، أو غرض جسماني، وأنا استغفر الله
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم من وضع قدمي في طريق لم أسلكه، وتجارتي في رأس مال لم
أملكه، هذا مع اعترافي بقصور باعي، وفتور همتي ونضوب طباعي، في القوانين العربية،
ودواوين المثاني الأدبية.
مالي وللأمر الذي قلدته ما للذباب وطعمة العنقاء
أبكي لعجزي وهو يبكي ذلة شتان بين بكائه وبكائي
وإني سميته نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر والله سبحانه أسأل أن يصعد كتابي
هذا ذروة القبول، ويجعله خالصًا لوجهه الكريم وينفع به أهل العلم ومن يخلفني من بعدي
من السادة الفحول، وأن يرخي على زلاتي من عفوه وغفرانه أطول الذيول، وبالله الاستعانة
في كل ما أحرر وأقول، وله الحمد وهو خير مسئول ومأمول.
1 / 30