نزهة الخواطر
الجزء الأول
يتضمن تراجم علماء الهند وأعيانها من القرن الأول إلى القرن
السابع
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 28
مقدمة الكتاب
الحمد لله الذي خلق الانسان، وعلمه البيان، وأنزل القرآن هدي للناس وبينات من الهدى
والفرقان، وأعجز مصاقع البلغاء عن المعارضة باللسان، إلى المقارعة بالسيف والسنان،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد فاتحة كتاب الوجود، وخاتمة أبواب الوحي والكشف
والشهود، والشفيع المشفع في المقام المحمود، من سطع نوره على كل موجود، وعلى آله
الأطهار، وأصحابه الأخيار، الذين أيدوا الشريعة السمحة الغراء، وأسسوا أبنية قواعدها
البيضاء، حتى استقام الحق واعتدل، وزهق الباطل وبطل.
أما بعد! فإني منذ عرفت اليمين من الشمال، وميزت بين الرشد والضلال، لم أزل ولوعًا
بمطالعة كتب الأخبار، مغري بالبحث عن أحوال الأدباء الأخيار، حريصًا على خبر
اسمعه، أو شعر تفرق شمله فأجمعه، حتى اجتمع عندي ما طاب وراق، وزين بمحاسن
لطائفه الأقلام والأوراق، فاقتصرت منه على أخبار أدباء الهند التي أنا فيها، وضربت
صفحًا عن أدباء الأقاليم الأخر التي تنافيها، حرصًا على جمع ما لم يجمع، وتقييد شيء لم
يقل إلا ليقيد ويسمع.
ثم أشار إلى من إشارته حكم، وطاعته غنم، أن لا اقتصر على أخيار الأدباء، بل أذيله
بذكر العلماء، وأهل الفضل سواء كانوا من المشايخ أو الأمراء، فاستقلت من هذا المقام
الذي يضطر فيه صاحبه إلى أن يكون كحاطب ليل، أو جالب رجل وخيل، وذاكرته ان
من كان أفضل مني في إكثار الرواية، وقوة الحفظ وغزارة الدراية، بذل جهده في ذلك، فلم
يتيسر له الوصول إلى ما هنالك، فكيف هذا العبد الفقير، في هذا المضمار الخطير! مع
قصور باعه، وسقط متاعه، وقلة فرصه، وكثرة غصصه، فلم يسعف بالإقالة، ولا أعفي من
المقالة، فلبيت دعوته تلبية المطيع، وبذلت في مطاوعته جهد المستطيع.
ولولا من الله ﷿ وله المنة على هذا العبد بالقوة على ذلك بعد المنة- لما تيسر له
جمع الكتاب، الذي هو أغلى من الذهب المذاب، وأحلى من لذيذ الخطاب، ومداعبة
الأحباب، لأن أهل الهند مع كثرة فضلائهم ووحود الأعيان في كل مكرمة على تعاقب
الأعصار ليس لهم عناية كاملة، ولا رغبة وافرة، إلا في دفن محاسن أكابرهم، وطمس آثار
مفاخرهم، فلا يرفعون إلى علمائهم رأسًا، ولا يمدون إليهم يدًا، مع توفر رغباتهم إلى الإطلاع
على ما لغيرهم من الشعراء والاشتغال الكامل بمعرفة أحوال مشايخ الصوفية والإكباب
على جمع كشوفهم وكراماتهم وعلى كتبهم التاريخية وغيرها، وإني لأكثر العجب من
اختصاص المذكورين بهذه الخصلة التي هي سبب لدفن محاسن سابقهم ولاحقهم، وطمس
رفيع قدر عالمهم وفاضلهم، ولهذا أهمل المصنفون في التاريخ على العموم ذكرهم، لم يترجموا
لأهل قرن من تلك القرون،
1 / 29
ولا ممن مضى في عصر من هاتيك العصور، وإن ذكرهم
المؤرخون منهم ترجموه ترجمة مغسولة عن الفائدة عاطلة عن بعض ما يستحقه، ليس فيها
ذكر مولده ولا وفاته، ولا شيء من مسموعاته ولا مقروءاته، لأن الذي ينقل أحوال شخص
إلى غيره ينبغي له أن يكون من معارفه وأهل بلدته، فإذا أهمله عارفوه أهمله غيرهم وجهلوا
أمره.
ومن هذه الجهة أجدني إذا ترجمت في هذا الكتاب أحدًا منهم لم أدر ما أقول! لأن أهل
عصره اهملوه فلم يبق لدي من بعدهم إلا مجرد أنه فلان لا يدري متى ولد ولا في أي وقت
توفي وبماذا انفرد في حياته من المزايا! فمن عرف ما ذكرناه علم أني بفضل الله سبحانه
وتوفيقه أجدت في كتابي هذا وأبدعت وصنعت ما لم يستطعه كبار العلماء مع توفر
رغباتهم في الجمع والتصنيف لا سيما في هذا الكتاب.
وإني لم أقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير، أو طاعة وزير أو أمير، ولم أداهن فيه أحدًا
بنفاق، أو مدح أو ذم مباين للأخلاق، لميل نفساني، أو غرض جسماني، وأنا استغفر الله
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم من وضع قدمي في طريق لم أسلكه، وتجارتي في رأس مال لم
أملكه، هذا مع اعترافي بقصور باعي، وفتور همتي ونضوب طباعي، في القوانين العربية،
ودواوين المثاني الأدبية.
مالي وللأمر الذي قلدته ما للذباب وطعمة العنقاء
أبكي لعجزي وهو يبكي ذلة شتان بين بكائه وبكائي
وإني سميته نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر والله سبحانه أسأل أن يصعد كتابي
هذا ذروة القبول، ويجعله خالصًا لوجهه الكريم وينفع به أهل العلم ومن يخلفني من بعدي
من السادة الفحول، وأن يرخي على زلاتي من عفوه وغفرانه أطول الذيول، وبالله الاستعانة
في كل ما أحرر وأقول، وله الحمد وهو خير مسئول ومأمول.
1 / 30
الطبقة الأولى
فيمن قصد الهند في القرن الأول
بديل بن طهفة البجلي
لما قتل عبيد الله بن نبهان بأرض السند كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى بديل بن طهفة
وهو بعمان يأمره أن يسير إلى خور الديبل لتخلية النسوة اللاتي ولدن في جزيرة الياقوت
مسلمات وأخذهن قوم من ميد الديبل، فسار نحو الهند ولما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به
العدو فقتلوه، وقال بعضهم: قتله زط معرب جاث البدهة، كما في فتوح البلدان للبلاذري،
وقال البلاذري في موضع آخر من ذلك الكتاب: إن بديل بن طهفة مصور بقندابيل وقبره
بالديبل- انتهى.
بنانة بن حنظة الكلبي
أمره محمد بن القاسم الثقفي على سرية بعثها إلى بيث فقاتل أهلها قتالًا شديدًا ثم رجع
ظافرًا إلى محمد، وسار محمد إلى مهران فنزل في وسطه وأمر بنانة على ألف مقاتل، فقاتل
معه براور وبرهمناباد وغيرهما من بلاد السند وفتحها فأمره محمد على قلعة دهليلة.
الحكم بن أبي العاصي الثقفي
الحكم بن أبي العاصي بن بشر بن دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك
بن حطيط بن جشيم بن ثقيف الثقفي، الرجل المجاهد، وجهه أخوه عثمان بن أبي
العاصي أمير البحرين وعمان سنة خمس عشرة من الهجرة في أيام عمر بن الخطاب رضي
الله عنه وأقطع له جيشًا، فلما رجع كتب إلى عمر يعلمه ذلك، فكتب إليه: يا أخا ثقيف!
حملت دودًا على عود، وإني أحلف بالله إن لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم.
قال البلاذري: ووجه عثمان أيضًا إلى بروص وبروص بروج بندر كبير من بنادر الهند-
انتهى.
1 / 31
قال ابن الأثير في أسد الغابة: إنه يكنى أبا عثمان وقيل: أبو عبد الملك، وهو أخو عثمان
بن أبي العاص الثقفي، له صحبة، كان أميرًا على البحرين، وسبب ذلك أن عمر بن
الخطاب ﵁ استعمل أخاه عثمان بن أبي العاص على عمان والبحرين فوجه
أخاه الحكم على البحرين وافتتح الحكم فتوحًا كثيرة بالعراق سنة تسع عشرة أو سنة
عشرين، وهو معدود في البصريين، ومنهم من يجعل أحاديثه مرسلة، ولا يختلفون في صحبة
أخيه عثمان، روى عنه معاوية بن قرة قال: قال لي عمر بن الخطاب ﵁: إن في
يدي مالًا لأيتام قد كادت الصدقة أن تأتي عليه فهل عندكم من متجر؟ قال: قلت: نعم،
قال: فأعطاني عشرة آلاف، فغبت بها ما شاء الله ثم رجعت إليه فقال: ما فعل مالنا؟
فقلت: هو ذا! قد بلغ مائة ألف، أخرجه الثلاثة- انتهى.
حكيم بن جبلة العبدي
حكيم بن جبلة بن حصين بن أسود بن كعب بن عامر بن الحارث بن الديل بن عمرو بن
غنم بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن دعمي ابن جديلة بن أسد بن ربيعة
بن نزار العبدي، وقيل: حكيم بضم الحاء وهو أكثر وقيل: ابن جبل، ذكره ابن الأثير في
أسد الغابة قال: قال أبو عمر: أدرك النبي ﷺ ولا أعلم له رواية ولا خبرًا
يدل على سماعه منه ولا رواية له، وكان رجلًا صالحًا، له دين، مطاعًا في قومه، وهو الذي
بعثه عثمان على السند فنزلها ثم قدم على عثمان فسأله عنها فقال: ماؤها وشل، ولصها
بطل، وسهلها جبل، إن كثر الجند بها جاعوا، وإن قلوا بها ضاعوا، فلم يوجه عثمان
﵁ أحدًا حتى قتل- انتهى.
وقال البلاذري في فتوح البلدان: إنه لما ولي عثمان ﵁ وولي عبد الله بن عامر
بن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره،
فوجه حكيم بن جبلة العبدي، فلما رجع أوفده إلى عثمان ﵁ فسأله عن حال
البلاد فقال: يا أمير المؤمنين! قد عرفتها وتنحرتها، قال: فصفها لي! قال: ماؤها وشل،
وثمرها دقل، ولصها بطل، إن قل الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا، فقال له عثمان،
أخابر أم ساجع؟ قال: بل خابر، فلم يغزها أحدًا، انتهى.
قال ابن الأثير ثم إنه أقام بالبصرة فلما قدم إليها الزبير وطلحة مع عائشة ﵃
وعليها عثمان بن حنيف أميرًا لعلي ﵁ بعث عثمان ابن حنيف حكيم بن
جبلة في سبع مائة من بعد القيس وبكر بن وائل فلقي طلحة والزبير بالزابوقة قرب البصرة
فقاتلهم قتالًا شديدًا فقتل، وقيل إن طلحة والزبير لما قدما البصرة استقر الحال بينهم وبين
عثمان بن حنيف أن يكفوا عن القتال إلى أن يأتي علي ثم إن عبد الله بن الزبير بيت
عثمان فأخرجه من القصر فسمع حكيم فخرج في سبع مائة من ربيعة فقاتلهم حتى
أخرجهم من القصر ولم يزل يقاتلهم حتى قطعت رجله فأخذها وضرب بها الذي قطعها
فقتله، ولم يزل يقاتل ورجله مقطوعة وهو الذي يقول:
يا ساق لن تراعي إن معي ذراعي
أحمي بها كراعي
1 / 32
حتى نزفه الدم فاتكأ على الرجل الذي قطع رجله وهو قتيل فقال له قائل: من فعل بك
هذا؟ قال: وسادتي، فما رئي أشجع منه، ثم قتله سحيم الحداني، قال أبو عبيدة معمر بن
المثنى: ليس يعرف في جاهلية ولا إسلام رجل فعل مثل فعله- انتهى.
داود بن نصر العماني
داود بن نصر بن الوليد العماني المجاهد قدم السند وقاتل أهلها وفتح البلاد، ثم استعمله
محمد بن القاسم الثقفي على مدينة ملتان.
رعوة بن عميرة الطائي
رعوة بن عميرة الطائي كان من رجال الأموية، أمره محمد بن القاسم الثقفي على طليعته
فقاتل معه أهل الهند وفتح البلاد.
زائدة بن عميرة الطائي
زائدة بن عميرة الطائي كان شقيق رعوة، قاتل معه الهنود غير مرة وسار إلى ملتان فقاتله
أهلها وانهزموا وقتل زائدة تحت سور البلد، كما في فتوح البلدان للبلاذري.
عبد الرحمن بن العباس الهاشمي
عبد الرحمن بن العباس بن ربيع بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي القرشي خرج على
الحجاج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي وبايعه سنة إحدى وثمانين وقاتل معه
الحجاج غير مرة بالأهواز ودير الجماجم وغيرها، ولما انهزم ابن الأشعث من مسكن أتى
عبد الرحمن بن العباس سجستان فاجتمع فل ابن الأشعث فسار إلى خراسان في عشرين
ألفًا، فنزل هراة وقتل الرقاد فأرسل إليه يزيد بن المهلب: قد كان لك في البلاد ممتنع من هو
أهون مني شوكة فارتحل إلى بلد ليس لي فيه سلطان! فإني أكره قتالك، وإن أردت مالًا
أرسلت إليك، فأعاد الجواب: إنا ما نزلنا لمحاربة ولا لمقام ولكنا أردنا أن نريح ثم نرحل
عنك وليست بنا إلى المال حاجة، وأقبل عبد الرحمن ابن العباس إلى الجباية وبلغ ذلك يزيد
فقال: من أراد أن يريح ثم يرتحل لم يجب الخراج، فسار يزيد نحوه وأعاد مراسلته: إنك قد
أرحت وسمنت وجبيت الخراج فلك ما جبيت وزيادة فاخرج عني! فإني أكره قتالك،
فأبى إلا القتال وكاتب جند يزبد يستميلهم ويدعوهم إلى نفس، فعلم يزيد فقال: جل الأمر
عن العتاب، ثم تقدم إليه فقاتله فلم يكن بينهم كثير قتال حتى تفرق أصحاب عبد الرحمن
عنه وصبر وصبرت معه طائفة ثم انهزموا وأمر يزيد أصحابه بالكف عن اتباعهم وأخذوا
ما كان في عسكرهم وأسروا منهم أسرى ولحق عبد الرحمن بالسند، كما في الكامل.
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: لما انهزم ابن الأشعث قام بعده عبد الرحمن بن ربيعة
فقاتل الحجاج ثلاثة أيام ثم انهزم فوقع بأرض فارس ثم صار إلى السند فمات هناك- انتهى.
عبيد الله بن نبهان
سيره الحجاج بن يوسف الثقفي إلى خور الديبل لتخلية النسوة اللاتي ولدن في جزيرة
الياقوت مسلمات ومات آباؤهن وكانوا تجارًا فأراد ملكها التقرب بهن إلى الحجاج فأهداهن
إليه، فعرض للسفينة التي كن فيها قوم من ميد الديبل في بوارج فأخذوا السفينة بما فيها
فنادت امرأة منهن وكانت من بني يربوع: يا حجاج! وبلغ الحجاج ذلك فقال: يا لبيك!
فأرسل إلى داهر يسأله تخلية النسوة فقال: إنما أخذهن لصوص لا أقدر عليهم، فأغزى
الحجاج عبيد الله ابن نبهان
1 / 33
الديبل فغزاهم وقتل في تلك الغزوة بأرض السند، كما في فتوح
البلدان.
القاسم بن ثعلبة الطائي
قاسم بن ثعلبة بن عبد الله بن حصن الطائي الرجل المجاهد كان بالسند وقاتل الهنود
تحت لواء الأمير محمد بن القاسم الثقفي وقتل كثيرًا منهم، وهو الذي قتل داهر بن صصة
ملك السند، رواه البلاذري عن ابن الكلبي.
محمد بن الحارث العلافي
خرج على الحجاج وقاتله مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، ولما انهزم ابن
الأشعث أتى محمد عمان ثم خرج إلى السند واحتمى بداهر ابن صصة ملك السند، فلما
ولي سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وقتل سعيد صفوي بن لام الحمامي في ذنب
اجتراه وكان من العلافين خرج عليه محمد وعاوية ابنا الحارث وكان معهما خمس مائة مقاتل
فقتلوه وغلبوا على مكران، فلما أخبر به الحجاج ولي مجاعة بن سعر التميمي على ثغر
الهند فغزا مجاعة وغنم ولحق محمد ومعاوية مع رجالهما بالسند وسكنوا بأرور سنة
خمس وثمانين، ولما فتح محمد بن القاسم الثقفي السند وقتل داهر خرج محمد من أرور
وسار إلى برهمناباد واجتمع بجي سنكه، ولما سار جي سنكه إلى كشمير خرج معه وعاد
من أثناء الطريق، كما في تاريخ السند.
وفي تحفة الكرام إنه استأمن محمد بن القاسم المذكور فأمنه، انتهى.
وإسم علاف هو أبان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهو أبو جرم، كما في
فتوح البلدان.
محمد بن القاسم الثقفي
محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي كان من بني أعمام الحجاج
وختنه، ولاه الحجاج على ثغر الهند في أيام الوليد بن عبد الملك وكان بفارس وقد أمره أن
يسير إلى الري وعلى مقدمته أبو الأسود جهم بن زحر الجعفي فرده إليه وعقد له على ثغر
السند وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام وخلقًا من غيرهم وجهزه بكل ما احتاج
إليه حتى الخيوط والمسال وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما أعد له،
وعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع في خل الخمر الحاذق ثم جفف في الظل فقال: إذا
صرتم إلى السند فإن الخل بها ضيق فانقعوا هذا القطن في الماء ثم أطبخوا به واصطبغوا،
فسار محمد بن القاسم إلى مكران فأقام بها أيامًا ثم أتى قنزبور ففتحها ثم أتى أرمائيل
ففتحها، ثم سار إلى الديبل يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة
فخندق حين نزل ديبل وركزت الرماح على الخندق ونشرت الأعلام وأنزل الناس على راياتهم
ونصب منجنيقًا، وكان بالديبل كنيسة عظيمة عليها دقل طويل وعلى الدقل راية حمراء
فرمى الدقل فكسر فاشتد طيرة الكفر من ذلك، ثم إن محمدًا ناهضهم وقد خرجوا إليه
فهزمهم حتى ردهم وأمر بالسلاليم فوضعت وصعد عليها الرجال ففتحت عنوة وهرب
عامل داهر وقتل سادن بيت آلهتهم في الديبل، واختط للمسلمين بها
1 / 34
وبنى مسجدًا وأنزلها
أربعة آلاف، ثم أتى محمد البيرون فصالحه أهلها، وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى
عبر نهرًا دون مهران فصالحه أهلها وظف عليهم الخراج، وسار إلى سهبان ففتحها ثم سار
إلى مهران فنزل في وسطه وعبره مما بلى بلاد راسل ملك قصة كجمه من الهند ولقيه داهر
على فيل وحوله الفيلة ومعه التكاكرة فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع بمثله وترجل داهر وقاتل
فقتل عند المساء وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاؤا وكان الذي قتل في رواية
المدائني رجلًا من بني كلاب وقال:
الخيل تشهد يوم داهر والقنا ومحمد بن القاسم بن محمد
أنى فرجت الجمع غير معرد حتى علوت عظيمهم بمهند
فتركته تحت العجاج مجدلًا متعفر الخدين غير موسد
ثم سار إلى راور ففتحها وكانت بها امرأة لداهر فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها
وجواريها وجميع مالها، ثم أتى محمد برهمناباد العتيقة وكان فل داهر ببرهمناباد هذه فقاتلوه
ففتحها محمد عنوة وقتل بها ثمانية آلاف وقيل: سنة وعشرين ألفًا، وخلف فيها عامله،
وسار محمد يريد الرور وبغرور فتلقاه أهل ساوندري فسألوه الأمان فأعطاهم إياه ثم تقدم
إلى بسمد فصالح أهلها، وانتهى إلى الرور وهي على جبل فحصرهم أشهرًا ففتحها صلحًا
وبنى مسجدًا وسار إلى السكة ففتحها، ثم قطع نهر بياس إلى الملتان فقاتله أهلها وانهزموا
ودخلوا المدينة فحصرهم محمد وضيق على أهلها فنزلوا على الحكم فقتل محمد المقاتلة
وسبى الذرية وأصاب ذهبًا كثيرًا فسميت الملتان فرج بيت الذهب.
قالوا: ونظر الحجاج فإذا هو قد انفق على محمد ستين ألف ألف درهم ووجد ما حمل إليه
عشرين ومائة ألف ألف درهم فقال: شفينا غيظنا وازددنا إلى الرور وبغرور وكان قد
فتحها فأعطى الناس ووجه إلى البيلمان جيشًا فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة وسالمه أهل
سرست، ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم العدو وهرب دوهر ويقال:
قتل، ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى قال الشاعر:
نحن قتلنا داهرًا ودوهرًا والخيل تردى منسرًا فمنسرا
ومات الوليد بن عبد الملك وولي سليمان بن عبد الملك فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن
على خراج العراق وولي يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند فحمل محمد بن القاسم
مقيدًا مع معاوية بن المهلب فقال محمد متمثلًا:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
1 / 35
فبكى أهل الهند على محمد وصوروه بالكيرج، فحبسه صالح بواسط فقال:
فلئن ثويت بواسط وبأرضها رهن الحديد مكبلًا مغلولا
فلرب فتية فارس قد رعتها ولرب قرن قد تركت قتيلا
وقال:
لو كنت أجمعت الفرار لوطئت أناث أعدت للوغى وذكور
وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ولا كان من عك على أمير
ولا كنت للعبد المزوني تابعًا فيا لك دهر بالكرام عثور
فعذبه صالح في رجال من آل أبي عقيل حتى قتلهم، وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح وكان
يرى رأي الخوارج.
وقال حمزة بن بيض الحنفي يرثي محمدًا:
إن المروءة والسماحة والندى لمحمد بن القاسم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سوددا من مولد
وقال آخر:
ساس الرجال لسبع عشرة حجة ولداته عن ذاك في أشغال
كانت وفاة الحجاج في شوال سنة خمس وتسعين ووفاة الوليد وتولية سليمان في جمادى
الآخرة سنة ست وتسعين، وفي تلك السنة عذب محمد وقتل بواسط، كما في الكامل وفتوح
البلدان وغيرهما من كتب الأخبار.
محمد بن مصعب الثقفي
محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفي قدم السند وقاتل الهنود مع محمد ابن القاسم
الثقفي، وأمره محمد بن القاسم على سرية وبعثه إلى سدوسان في خيل وجمازات فطلب
أهلها الأمان والصلح وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجا وأخذ منهم
رهنًا وانصرف إلى محمد بن القاسم ومعه من الزط أربعة آلاف، ثم لما سار محمد بن
القاسم إلى مهران أمر محمد ابن مصعب على طليعته، فعبر مهران مما بلى بلاد راسل ملك
قصة كجه، ولم نقف على أخباره بعد ذلك.
محمد بن هارون النمري
محمد بن هارون بن ذراع النمري استعمله الحجاج بن يوسف الثقفي على ثغر الهند بعد
مجاعة بن سعر التميمي الذي توف بمكران، فغزا محمد بن هارون فغنم وغلب على الثغر
وقام بالأمر خمس سنين، ثم لما ولي الحجاج ابن عمه محمد ابن القاسم الثقفي كتب إلى
محمد بن هارون يأمره أن يجهز جنده ويستعد للخروج إلى بلاد السند، فلما أتى محمد بن
القاسم مكران وسار إلى قنزبور لحقه بها وأتى أرمائيل وفتحها، وأقام زمانًا يستريح بها
فمات ودفن بقنبل لعله سنة ثلاث وثمانين.
معاوية بن الحارث العلاني
خرج على سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي لما ولي على ثغر الهند فقتله وغلب على
الثغر،
1 / 36
ثم لما ولي مجاعة بن مسعر التميمي على ذلك الثغر، غلب عليه ونزع من يده الأمر،
فلحق بالسند واحتمى بداهر بن صصة ملك السند، ولما قتل داهر اجتمع بجي سنكه بن
داهر ثم استأمن محمد بن القاسم الثقفي فأمنه.
المغيرة بن أبي العاصي
المغيرة بن أبي العاصي بن بشر بن دهمان الثقفي المجاهد، وجهه أخوه عثمان ابن أبي
العاصي أمير البحرين وعمان في أيام عمر بن الخطاب ﵁ إلى خور الديبل فلقي
العدو فظفر، كما في فتوح البلدان، وأخوه عثمان كان شريفًا عظيم القدر، ولاه عمر بن
الخطاب ﵁ عمان والبحرين وأقطعه الموضع المعروف بالبصرة بشط عثمان،
كما في كتاب الاشتقاق لابن دريد، وفي تاريخ السند إن المغيرة قتل بأرض الهند ودفن بها.
يزيد بن أبي كبشة
يزيد بن أبي كبشة السكسكي كان من قواد الدولة الأموية، استخلفه الحجاج ابن يوسف
الثقفي عند موته على الحرب والصلاة بالمصرين البصرة والكوفة فأقره الوليد، وقيل: بل
الوليد هو الذي ولاه، كما في وفيات الأعيان، ولما مات الوليد وقام بالملك سليمان بن عبد
الملك استعمله على السند فحمل محمد بن قاسم الثقفي مقيدًا مع معاوية بن المهلب، ومات
بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يومًا سنة ست وتسعين، كما في الكامل.
1 / 37
الطبقة الثانية
فيمن قصد الهند من أهل القرن الثاني
أبو عطاء السندي
أبو عطاء السندي الشاعر المشهور مولى بني أسد ثم مولى عمرو بن سماك ابن حصين
الأسدي، إسمه أفلح بن يسار وقيل: مرزوق، كان سنديًا عجميًا لا يفصح وفي لسانه عجمة
ولثغة وكان إذا تكلم لا يفهم كلامه، وكان مع ذلك من أحسن الناس بديهة وأشدهم
عارضة وتقدمًا، وهو من مخضرمي الدولتين، مدح بني أمية وبني هاشم، وله في كتاب
الحماسة مقاطيع نادرة منها قوله:
ذكرتك والخطى يخطر بيننا وقد نهلت منا المثقفة السمر
فوالله ما أدري وإني لصادق أداء عراني من حبابك أم سحر
فإن كان سحرًا فاعذريني على الهوى وإن كان داء غيره فلك العذر
وقوله في ابن هبيرة وقد قتله المنصور بواسط بعد أن أمنه:
ألا إن عينًا لم تجد يوم واسط عليك بجاري دمعها لجمود
عشية قام الناتحات وشققت جيرب بأيدي مأتم وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربما أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهد بلى كان من تحت التراب بعيد
وكان إذا تكلم لا يفهم كلامه ولذلك قال لسليمان بن سليم الكلبي:
أعورتني الرواة يا ابن سليم وأبى أن يقيم شعري لساني
وغلا بالتي أجمجم صدري وجفاني لعجمتي سلطاني
وازدرتني العيون إذ كان لوني حالكًا مجتوى من الألوان
فضربت الأمور ظهرًا لبطن كيف احتال حيلة لبيان
وتمنيت أنني كنت بالشعر فصيحًا وكان بعض بياني
1 / 39
ثم أصبحت قد انخت ركابي عند رحب الفناء والأعطان
فأعطني ما تضيق عنه رواتي بفصيح من صالح الغلمان
يفهم الناس ما أقول من الشعر فإن البيان قد أعياني
واعتمدني بالشكر يا ابن سليم في بلادي وسائر البلدان
سترى فيهم قصائد غرًا فيك سباقة بكل لسان
فأمر له بوصيف فسماه عطاء وتبناه وتكنى به ورواه شعره، فكان إذا أراد إنشاد مديح
لمن يمتدحه أو يجتديه أو إنشاء شعر أمره فأنشد.
قيل إنه قال يومًا: وإلا منذ لدن ذاوتا وقلت ليبأ ما إنك تصنأ- يعني وإنك منذ دعوتك
وقلت: لبيك، ما كنت تصنع؟.
وشهد أبو عطاء حرب بني أمية وبني العباس وآب مع بني أمية وقتل غلامه عطاء مع ابن
هبيرة وانهزم هو.
وحكى المدائني أن أبا عطاء كان يقاتل المسودة وقدامه رجل من بني مرة يكنى أبا زياد قد
عثر فرسه فقال لأبي عطاء: أعطني فرسك! أقاتل عني وعنك- وقد كانا أيقنا بالهلاك-
فأعطاه أبو عطاء فرسه، فركبه المرى ومضى على وجهه ناجيًا فقال أبو عطاء:
لعمرك إنني وأبا زياد لكالساعي إلى لمع السراب
رأيت لخيله يطغون فيها وفي الطمع المذلة للرقاب
فما أغناك عن طلب ورزق وما أغناك عن سرق الدواب
وأشهد أن مرة حي صدق ولكن لست فيهم في النصاب
وعن المدائني أن يحيى بن زياد الحارثي وحماد الراوية كان بينهما وبين معلى بن هبيرة ما
يكون بين الشعراء من المنافسة وكان معلى يحب أن يطرح حمادًا في لسان من يهجوه، قال
حماد: فقال لي يومًا بحضرة يحيى بن زياد: أتقول لأبي عطاء السندي أن يقول: زج وجرادة
ومسجد بني شيطان؟ قال حماد: فقلت له: نعم، فما تجعل لي على ذلك؟ قال: بغلتي
بسرجها ولجامها! فأخذت عليه بالوفاء وثقا وجاء أبو عطاء إلينا فقال: مرهبا مرهبا!
هياكم الله! بلفظ الحاء هاء لأنه أعجمي فرحبنا به وعرضنا عليه العشاء فأبى وقال: هل
عندكم نبيذ؟ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى أحمرت عيناه فقلت له: يا أبا عطاء!
كيف علمك باللغز؟ فقال: جيد، فقلت:
ابن لي ان سألت أبا عطاء يقينا كيف علمك بالمعاني
فقال:
خبير آلم فاسأل تزدني بها تبا وآيات المثاني
أراد عالم- تجدني- طبا، فقلت:
1 / 40
فما اسم جريدة في رأس رمح دوين الكعب ليست بالسنان
فقال:
هو الزز الذي إن بات ذيفًا لسدرك لم تزل لك أولتان
أراد الزج- ضيفا- لصدرك- عولتان، فقلت- فرج الله عنك:
فما صفراء تدعى أم عوف كأن رجيلتيها منجلان
فقال:
أردت زرادة وأزن زنا بأنك ما أردت سوى لساني
أراد جرادة- أظن ظنًا، فقلت:
أتعرف مسجدًا لبني تميم فويق الميل دون بني أبان
فقال:
بنو سيتان دون بني أبان ككرب أبيك من أبد المدان
أرادشيتان- كقرب- عبد المدان، قال حماد: فرأيت عينيه قد ازدادت حمرة ورأيت
الغضب في وجهه وتخوفته، فقلت: يا أبا عطاء! هذا مقام المستجير بك ولك نصف ما
أخذته، قال: فاصدقني! فأخبرته فقال: أولى لك قد سلمت وقد سلم لك جعلك خذه
بورك لك فيه! فلا حاجة بي إليه وانقلب نحو معلى بن هبيرة.
وحكى أن أبا عطاء وفد على نصر بن سيار ثم أنشده:
قالت بريكة بنتي وهي عائنة إن المقام على الإفلاس تعذيب
ما بال هم دخيل بات مختصرًا رأس الفؤاد فنوم العين ترحيب
إني دعاني إليك الخير من بلدي والخير عند ذوي الإحسان مطلوب
فأمر له بأربعين ألف درهم:
ومات أبو عطاء بعد الثمانين والمائة، كما في فوات الوفيات للكتبي.
إسرائيل بن موسى البصري
إسرائيل بن موسى أبو موسى البصري نزيل الهند كان من اتباع التابعين، روى عن حسن
البصري وأبي حازم الأشجعي ومحمد بن سيرين وهب بن منبه وعنه سفيان الثوري وابن
عيينة وحسين بن علي الجعفي ويحيى بن سعيد القطان، وثقه أبو حاتم، وله في صحيح
البخاري فرد حديث مكرر في أربعة مواضع، وهو ثقة من السادسة، قال الحافظ في تهذيب
التهذيب: قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة، زاد أو حاتم: لا بأس به، وقال النسائي: ليس به
بأس، قلت ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يسافر إلى الهند، وقال الأزدي وحده: فيه
لين، وليس هو الذي روى عن وهب بن منبه وروى عنه الثوري، ذاك شيخ يماني، وقد
فارق بينهما غير واحد- انتهى- وقد ذكره السمعاني في الأنساب قال: أبو موسى إسرائيل
بن موسى الهندي بصري كان ينزل الهند فنسب إليها، روى عن الحسن، وروى عنه
1 / 41
ابن
عيينة ويحيى بن سعيد القطان والحسين الجعفي، قال يحيى بن معين: إسرائيل صاحب
الحسن ثقة- انتهى.
بسطام بن عمرو التغلبي
قدم الهند مع أخيه هشام بن عمرو في أيام المنصور الخليفة العباسي وناب في الحكم عن
أخيه بمنصورة مدة من الزمان، ولما سار هشام إلى بغداد استخلفه في بلاد السند كلها،
ومات هشام سنة ١٥٧ هـ فولى المنصور معبد بن الخليل على بلاد الهند ومات معبد سنة
١٥٩ هـ فولى المهدي بن المنصور العباسي روح بن حاتم وعزله في تلك السنة ثم ولي بسطام
بن عمرو التغلبي فقام بالأمر أيامًا وعزل سنة ستين ومائة، كما في الكامل.
تميم بن زيد العتبي
ولي على أرض السند في أيام هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي سنة إحدى عشرة
ومائة مكان الجنيد بن عبد الرحمن المري، فضعف ووهن ومات قريبًا من الديبل بماء يقال
له ماء الجواميس وكان من أسخياء العرب، وجد في بيت المال ثمانية عشر ألف ألف درهم
طاطرية فأسرع فيها، وكان قد شخص معه في الجند فتى من بني يربوع يقال له خنيس-
وأمه من طيء- إلى الهند، فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إلى تميم في اقفاله وعادت بقبر
غالب أبيه فكتب الفرزدق إلى تميم:
أتتني فعادت يا تميم بغالب وبالحفرة السافي عليها ترابها
فهب لي خنيسًا واتخذ فيه منة لحوبة أم ما يسوع شرابها
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر ولا يخفى عليك جوابها
فلا تكثر الترداد فيها فإنني ملول لحاجات بطيء طلابها
الجنيد بن عبد الرحمن المري
الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري
أحد أجواد الدنيا، ولاه عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراق على أرض السند، ثم ولاه إياه
هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي، ولما ولي هشام خالد بن عبد الله القسري العراق
كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبته سنة سبع ومائة، فأتى الجنيد الديبل ثم نزل شط
مهران فمنعه جي سنكه بن داهر العبور وقال: إننا مسلمون فقد استعملني الرجل الصالح-
يعني عمر بن عبد العزيز- على بلادي ولست آمنك، فأعطاه رهنًا وأخذ منه رهنًا بما
على بلاده من الخراج ثم إنهما ترادا الرهن وكفر جي سنكه وحاربه، وقيل: لم يحاربه ولكن
الجنيد تجنى عليه، فأتى الهند فجمع وأخذ السفن واستعد للحرب، فسار الجنيد إليه في
السفن أيضًا فالتقوا فأخذ جي سنكه أسيرًا وقد جنحت سفينته فقتلهن وهرب أخوه
جج- بالجيم الفارسية معربة صصه- إلى العراق ليشكو غدر الجنيد فخدعه الجنيد حتى
جاء إليه فقتله، وغزا الجنيد الكيرج وكانوا قد نقضوا، فاتخذ كباشًا نطاحة فصك بها
حائط المدينة حتى ثلمه ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم.
أما الكباش النطاحة فليس المراد ههنا بذلك الغنم وإنما هي آلة من خشب وحديد
يجرونها بنوع من الحبل فتدق الحائط فينهدم، وقد بطلت هذه الآلة كالمنجنيقات لما حدثت
الآلات النارية من المدافع وغيرها كبطلان النبال.
ثم إن الجنيد وجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص،
1 / 42
وكان الجنيد يقول: القتل في
الجزع أكبر منه في الصبر، ووجه جيشًا إلى آزين، ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض
مالوه فأغاروا على آزين وغزوا بهرنمد فحرقوا ربضها، وفتح الجنيد البيلمان والجرز،
وحصل في منزله سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها، قال جرير:
أصبح زوار الجنيد وصحبه يحيون صلت الوجه جمًا مواهبه
وقال أبو الجويرية:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قوم بأحسابهم أو مجدهم قعدوا
محسدون على ما كان من كرم لا ينزع الله منهم ماله حسدوا
قال ابن الأثير في الكامل: إن الجنيد أهدى لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام بن
عبد الملك قلادة من جوهر فأعجبت هشامًا، فأهدى لهشام قلادة أخرى، فاستعمله
هشام على خراسان سنة إحدى عشرة ومائة وقاتل التتر غير مرة، وتزوج الفاضلة بنت
يزيد بن المهلب، فغضب هشام وعزله وولى عاصمًا خراسان، وكان الجنيد قد سقى بطنه
فقال هشام لعاصم: إن أدركته وبه رمق فأزهق نفسه! فقدم عاصم وقد مات الجنيد وكان
بينهما عداوة، فأخذ عمارة ابن حريم- وكان الجنيد قد استخلفه وهو ابن عمه- فعذبه
عاصم وعذب عمال الجنيد، وكان من الأجواد الممدوحين غير محمود في حروبه، مات بمرو
في سنة ست عشرة ومائة فقال أبو الجويرية عيسى بن عصمة يرثيه:
هلك الجود والجنيد جميعًا فعلى الجود والجنيد السلام
أصبحا ثاويين في أرض مرو ما تغنت على الغصون الحمام
كنتما نزهة الكرام فلما مت مات الندى ومات الكرام
ذكره الطبري في تاريخ الأمم والملوك.
جهم بن زحر الجعفي
جهم بن زحر بن قبس بن مالك بن معاوية بن سعنة- بمهملة ونون- الجعفي أبو الأسود
أمره الحجاج على ستة آلاف من جند أهل الشام، وبعثه إلى الري ليجتمع بمحمد بن القاسم
الثقفي ويسير معه إلى الهند، فلحق به وسار معه إلى ثغر الهند، فأتى مكران وأقام بها
زمانًا ثم أتى قنزبور ففتحها، ثم سار إلى الديبل فقاتل أهلها قتالًا شديدًا وفتحها، وكتب
الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن وجه من قبلك من أهل العراق إلى قتيبة! ووجه
إليهم جهم بن زحر بن قيس! فإنه في أهل العراق خير منه في أهل الشام، وكان محمد وادًا
لجهم بن زحر، فبعث سليمان بن صعصعة وجهم بن زحر، فلما ودعه جهم بكى وقال: يا
جهم! إنه للفراق، قال: لا بد منه، قال: وقدم على قتيبة سنة خمس وتسعين، فغزا مع قتيبة
بن مسلم الشاش وكاشغر وغزا الصين، وأمره قتيبة على سبعة آلاف من أهل الكوفة، ثم
لما تولى الخلافة سليمان بن عبد الملك وخلعه قتيبة ودعا الناس إلى خلعه قاتله قتالًا
شديدًا، ولما غشى القوم الفسطاط قطعوا أطنابه فقال جهم بن زحر لسعد: أنزل فحز
رأسه! فنزل فاحتز رأسه، فقال حضين بن المنذر:
وإن ابن سعد وابن زحر تعاورا بسيفيهما رأس الهمام المتوج
عشية جئنا بابن زحر وجئتم بأدغم مرقوم الذراعين ديزج
1 / 43
أصم غداني كأن جبينه لطاخة نفس في أديم ممجمج
وكان ذلك سنة ست وتسعين، وولي سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان،
فلازمه جهم بن زحر وكان من يزيد بمكان فغزا معه جرجان وأبلى فيه بلاء حسنًا، ولما
فتحها الله سبحانه ولاه يزيد على جرجان فأقام بها زمانًا، ولما ولي سعيد بن عبد العزيز بن
الحارث بن الحكم بن أبي العاص على خراسان أخذ الذين ولوا ليزيد بن المهلب فحبسهم،
وكان فيهم جهم بن زحر فحمل على حمار من قهندزمرو فمروا به على الفيض بن عمران
فقام إليه فوجأ أنفه فشتمه جهم، فغضب سعيد على جهم فضربه مائتي سوط وأمر سعيد
بجهم والذين كانوا في السجن فدفعوا إلى ورقاء بن نصر الباهلي فقتلوا في العذاب جهما،
وكان ذلك سنة اثنتين بعد المائة، كما في تاريخ الأمم والملوك للطبري.
حبيب بن المهلب العتكي
حبيب بن المهلب بن أبي صفرة العتكي أحد رجال الدولة الأموية، استعمله سليمان بن
عبد الملك على بلاد السند سنة ست وتسعين فقدمها وقد رجع ملوك الهند إلى ممالكهم
ورجع جي سنكه بن داهر إلى برهمناباد، فنزل حبيب على شاطىء مهران فأعطاه أهل
الرور الطاعة، وحارب قومًا فظفر بهم، ثم مات سليمان بن عبد الملك سنة تسع وتسعين
وولي ملكه عمر بن عبد العزيز فعزل حبيب عن السند سنة مائة، كما في الكامل.
حكم بن عوانة الكلبي
ولي على أرض السند في أيام هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي بعد ما توفي بها تميم بن
زيد العتبي، ولاه خالد بن عبد الله القسري أمير العراق وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصه
كجه، فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه فبنى من وراء البحيرة مما بلى الهند مدينة سماها
المحفوظة وجعلها مأوى لهم، وكان عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي مع الحكم وكان يفوض
إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله فأغزاه من المحفوظة، فلما قدم عليه وقد ظفر أمره فبنى
دون البحيرة مدينة وسماها المنصورة، فهي التي ينزلها العمال بعده وخلص الحكم ما كان في
أيدي العدو مما غلبوا عليه ورضي الناس بولايته، وكان خالد بن عبد الله القسري أمير
العراق يقول: واعجبا! وليت فتى العرب- يعني تميما- فرفض وترك، وليت أبخل العرب
فرضي به- انتهى.
وقتل الحكم في أرض السند سنة اثنتين وعشرين ومائة.
حميم بن سامة السامي
كان من رجال محمد بن الحارث العلافي انتقل معه إلى السند واحتمى بداهر وسكن
بالرور، ولما فتح محمد بن القاسم الثقفي خرج إلى برهمناباد واجتمع بجي سنكه، ولما خرج
جي سنكه إلى كشمير سار معه إلى تلك البلاد ولما أقطع صاحب كشمير عمالة شاكلها
لجي سنكه استمعل جي سنكه حميما على تلك العمالة، ولما مات جي سنكه ولم يترك
أحدًا يرثه استقل حميم بأقطاعه وتداول أولاده ملكه إلى قرون متطاولة، كما في تاريخ
السند.
1 / 44
الربيع بن صبيح السعدي
الشيخ المحدث الربيع بن صبيح السعدي أبو بكر- وقال: أبو حفص- البصري مولى بني
سعد بن زيد مناة، روى عن الحسن البصري وحميد الطويل ويزيد الرقاشي وأبي الزبير وأبي
غالب صاحب أبي أمامة وثابت البنائي ومجاهد ابن حبر وغيرهم، وعنه سفيان الثوري
ووكيع وابن مهدي وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان، وآدم بن أبي أياس، وعاصم بن علي،
وعدة، وكان صالحًا، صدوقًا، عابدًا، مجاهدًا، ضعفه غير واحد من العلماء، وقال ابن
عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة ولم أر له حديثًا منكرًا جدًا وأرجو أنه لا بأس به ولا
بروايته، وقال العقيلي في الضعفاء: بصري سيد من سادات المسلمين، وقال العجلي: لا بأس
به، وقال الفلاس: ليس بالقوي، وقال الحاكم: ليس بالمتين عندهم، وحكى بشر بن عمر عن
شعبة أنه عظم الربيع بن صبيح، وقال ابن حبان: كان من عباد أهل البصرة وزهادهم
وكان يشبه بيته بالليل ببيت النحل من كثرة التهجد، إلا أن الحديث لم يكن من صناعته،
فكان يهم فيما يروي حتى وقع في حديثه المناكير من حيث لا يشعر، لا يعجبني الاحتجاج
به إذا انفرد، وذكر الرامهرمزي في الفاضل أنه أول من صنف بالبصرة- انتهى ملخصًا من
تهذيب التهذيب.
قال الجلبي في كشف الظنون بعد ذكره في أول من صنف في الاسلام: وأعلم أنه اختلف في
أول من صنف فقيل: أول من صنف الامام عبد الملك ابن عبد العزيز البصري، وقيل: أبو
النصر سعيد بن أبي عروبة- ذكرهما الخطيب، وقيل: ربيع بن صبيح- قاله أبو محمد
الرامهرمزي- ثم سفيان بن عيينة، ثم صنف الموطأ مالك بن أنس بالمدينة، ثم عبد الله بن
وهب بمصر، ومعمر بن راشد وعبد الرزاق باليمن، وسفيان الثوري ومحمد بن فضيل بن
غزوان بالكوفة، وحماد بن سلمة وروح بن عبادة بالبصرة، وهشيم بواسط، وعبد الله بن
المبارك بخراسان- انتهى.
قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك: إنه خرج غازيًا إلى السند فيمن خرج مع عبد الملك بن
شهاب المسمعي من مطوعة أهل البصرة فمات بها- انتهى.
وكانت وفاته في سنة ستين ومائة بأرض السند، كما في المغني.
سفيح بن عمرو التغلبي
دخل أرض السند مع صنوه هشام بن عمرو وكان بها إذ خرجت خارجة ببلاد السند
فوجهه هشام فخرج في جيشه، فبينا هو يسير إذ لقي
عبد الله بن محمد العلوي يتنزه على
شاطىء مهران، فمضى يريده فقال أصحابه: هذا ابن رسول الله ﷺ،
وقد تركه أخوك متعمدًا مخافة أن يبوء بدمه فلم يقصده، فقال: ما كنت لأدع أخذه ولا أدع
أحدًا يأخذه أو قتله عند المنصور فقتل عبد الله- بقصة شرحتها في ترجمة عبد الله
وترجمة أخيه هشام.
عبد الله بن محمد العلوي
جدنا الكبير عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
الهاشمي القرشي المشهور بعبد الله الأشتر بن محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض، وهو
أول من وطىء أرض الهند من أهل بيت النبي ﷺ فيما أظن، ولد ونشأ
بالمدينة وتفقه على أبيه وجده، وقدم الهند في أيام المنصور العباسي، وسبب قدومه أن
والده محمد بن عبد الله لما خرج على المنصور وجهه إلى البصرة فاشترى منها خيلًا عتاقًا
ليكون سبب وصولهم إلى عمر بن حفص العتكي وكان واليًا على أرض السند من قبل
المنصور وكان ممن بايع محمدًا من قواد المنصور وكان يتشيع، فساروا في البحر إلى السند،
فأمرهم عمر أن يحضروا خيلهم، فقال عضهم: إنا جئناك بما هو خير من الخيل وبما لك
فيه خير الدنيا والآخرة فأعطنا
1 / 45
الأمان! إما قبلت منا وإما سترت وأمسكت عن أذانا
حتى نخرج عن بلادك راجعين! فأمنه فذكر له حالهم وحال عبد الله بن محمد أرسله أبوه
إليه فرحب بهم وبايعهم، وأنزل عبد الله عنده مختفيًا، ودا كبراء أهل البلد وقواده وأهل
بيته إلى البيعة فأجابوه، فقطع ألويتهم البيض، وهيأ لبسه من البياض ليخطب فيه، وتهيأ
لذلك يوم الخميس، فوصله مرك لطيف فيه رسول من امرأة عمر بن حفص تخبره بقتل محمد
بن عبد الله، فدخل على عبد الله فأخبره وعزاه، فقال له عبد الله: إن أمري قد ظهر
ودمي في عنقك، فقال عمر: قد رأيت رأيًا، ههنا ملك من ملوك السند عظيم الشأن كبير
المملكة، وهو على شوكة أشد تعظيمًا لرسول الله ﷺ، وهو وفي أرسل
إليه وأعقد بينك وبينه عقدًا فأوجهك إليه فلست ترام معه، ففعل ذلك وسار إليه عبد الله
فأكرمه وأظهر بره، وتسللت إليه الزيدية حتى اجتمع معه أربع مائة إنسان من أهل البصائر
فكان يركب فيهم ويتصيد في هيئة الملوك وآلاتهم، فلما انتهى ذلك إلى المنصور بلغ منه ما
بلغ وكتب إلى عمر بن حفص يخبره ما بلغه، فقرأ الكتاب على أهله وقال لهم: إن أقررت
بالقصة عزلني، وإن صرت إليه قتلني، وإن امتنعت حاربني، فقال له رجل منهم: ألق الذنب
علي وخذني وقيدني! فإنه سيكتب في حملي إليه فاحملني! فإنه لا يقدم علي لمكانك في
السند وحال أهل بيتك بالبصرة، فقال عمر: أخاف عليك خلاف ما تظن، قال: إن قتلت
فنفسي فداء لنفسك! فقيده وحبسه وكتب إلى المنصور بأمره، فكتب إليه المنصور يأمره
بحمله، فلما صار إليه ضرب عنقه، ثم استعمل على السند هشام بن عمرو التغلبي وأمر أن
يكاتب ذلك الملك بتسليم عبد الله بن محمد، فسار هشام إلى السند فملكها وكره أخذ
عبد الله بن محمد وأقبل يرى الناس أنه يكاتب ذلك الملك، واتصلت الأخبار بالمنصور
بذلك فجعل يكتب إليه يستحثه، فبينا هو كذلك إذ خرجت خارجة ببلاد السند فوجه
هشام أخاه سفيحًا فخرج في جيشه وطريقه بجنبات ذلك الملك، فبينا هو يسير إذ غبرة
قد ارتفعت فظن أنهم مقدمة العدو الذي يقصده، فوجه طلائعه فزحفت إليه فقالوا: هذا
عبد الله بن محمد العلوي يتنزه على شاطىء مهران! فمضى يريده فقال نصحاؤه: هذا ابن
رسول الله ﷺ! وقد تركه أخوك متعمدًا مخافة أن يبوء بدمه فلم يقصده،
فقال: ما كنت لأدع أخذه ولا أدع أحدًا يحظى بأخذه أو قتله عند المنصور، وكان عبد
الله في عشرة فقصده فقاتله عبد الله وقاتل أصحابه حتى قتل وقتلوا جميعًا فلم يفلت منهم
مخبر وسقط عبد الله ببين القتلى فلم يشعر به، وقيل: إن أصحابه قذفوه في مهران حتى لا
يحمل رأسه، فكتب هشام بذلك إلى المنصور فكتب إليه المنصور يشكره ويأمره بمحاربة
ذلك الملك، فحاربه حتى ظفر به وقتله وغلب على مملكته.
وكان عبد الله قد اتخذ سراري فأولد واحدة منهن ولدًا وهو محمد بن عبد الله الذي
يقال له: ابن الأشتر، فأخذ هشام السراري والولد معهن فسيرهن إلى المنصور، فسير
المنصور الولد إلى عامله بالمدينة وكتب معه بصحة نسبه وتسليمه إلى أهله، وكان ذلك
سنة إحدى وخمسين ومائة كما في الكامل.
عبد الملك بن شهاب المسمعي
سيره المهدي بن المنصور العباسي إلى بلاد الهند سنة تسع وخمسين ومائة وفرض مه
لألفين من أهل البصرة من جميع الأجناد وأشخصهم معه ومن المطوعة الذين كانوا يلزمون
المرابطات ألفًا وخمس مائة رجل، ووجه معه قائدًا من أبناء أهل الشام يقال له، ابن الحباب
المذحجي، في سبع مائة من أهل الشام، وخرج معه من مطوعة أهل البصرة بأموالهم ألف
رجل فيهم فيما ذكر الربيع بن صبيح، ومن
1 / 46
الأسواريين والسبابجة أربعة آلاف رجل، فولى
عبد الملك بن شهاب المنذر بن محمد الجارودي الألف الرجل المطوعة من أهل البصرة،
وولي ابنه غسان بن عبد الملك الألفي الرجل الذين من فرض البصرة، وولي ابنه عبد
الواحد بن عبد الملك الألف والخمس مائة الرجل من مطوعة المرابطات.
وأفرد يزيد بن الحباب في أصحابه فخرجوا وكان المهدي وجه لتجهيزهم حتى شخصوا أبا
القاسم محرز بن إبراهيم فرضوا لوجههم وساروا في البحر حتى نزلوا على باربد سنة ستين
ومائة، فلما نازلوها حصروها من نواحيها وحرض الناس بعضهم بعضًا على الجهاد
وضايقوا أهلها ففتحها الله عليهم هذه السنة عنوة، واحتمى أهلها بالبد بت خانه الذي
لهم فأحرقه المسلمون عليهم، فأحرق بعضهم وقتل الباقون، واستشهد من المسلمين بضعة
وعشرون رجلًا وأفاءها الله عليهم، فهاج عليهم البحر فأقاموا إلى أن يطيب، فأصابهم
مرض في أفواههم فمات منهم نحو من ألف رجل منهم الربيع بن صبيح، ثم رجعوا فلما
بلغوا ساحلًا من فارس يقال له بحر حمران عصفت بهم الريح ليلًا فانكسر عامة مراكبهم
فغرق البعض ونجا البعض ووصل عبد الملك إلى بغداد، فولاه المهدي بن المنصور على بلاد
السند سنة إحدى وستين ومائة وعزله بعد سبعة عشر يومًا من قدومه أرض الهند، كما
في الكامل.
عمر بن حفص العتكي
عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة العتكي المعروف بهزار مرد- يعني ألف
رجل- كان من قواد المنصور ممن بايع محمد بن عبد الله العلوي المشهور بالنفس الزكية،
استعمله المنصور على السند والهند سنة اثنتين وأربعين ومائة، فقدمها فحارقه عيينة بن
موسى التميمي فسار حتى ورد السند فغلب عليها وقام بالملك.
وفي أيامه قدم الهند عبد الله بن محمد بن عبد الله العلوي وقد تقدم خبره في ترجمته، وقد
عزل المنصور في تلك القصة عمر بن حفص عن السند سنة إحدى وخمسين ومائة
واستعمله على أفريقية، فسار إلى قيروان في خمس مائة فارس فاجتمع وجوه البلد فوصلهم
وأحسن إليهم وأقام والأمور مستقيمة ثلاث سنين، فسار إلى الزاب لبناء مدينة طبنة بأمر
المنصور واستخلف على القيروان حبيب بن حبيب المهلبي، فخلت أفريقية من الجند فثار
بها البربر واجتمعوا بطرابلس وولوا عليهم أبا حاتم الأباضي وعمت الفتنة البلاد كلها،
ورجع عمر إلى القيروان فحصروه وطال الحصار حتى أكلوا دوابهم وفي كل يوم يكون بينهم
قتال وحرب، فلما ضاق الأمر بعمر وبمن معه فعزم على إلقاء نفسه إلى الموت فأتى الخبر أن
المنصور قد سير إليه يزيد بن حاتم المهلبي في ستين ألف مقاتل وأشار عليه من عنده
بالتوقف عن القتال إلى أن يصل العسكر، فلم يفعل وخرج وقاتل فقتل في منتصف ذي الحجة
سنة أربع وخمسين ومائة، كما في الكامل.
عمرو بن محمد الثقفي
عمرو بن محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي الذي كان والده فتح
بلاد السند وكان مع الحكم بن عوانة الكلبي حين ولي بلاد السند فكان يفوض إليه ويقلده
جسيم أموره وأعماله، فلما قتل الحكم سنة اثنتين وعشرين ومائة قام بالملك ورضي بولايته
هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي فحارب العدو وظفر، ثم بغي عليه مروان بن يزيد بن
المهلب فقتله، ولما مات هشام وولي بعده يزيد بن الوليد عزل
1 / 47
عمرو بن محمد سنة خمس
وعشرين ومائة.
عمرو بن مسلم الباهلي
استعمله عمر بن عبد العزيز الخليفة الصالح على بلاد السند والهند سنة مائة، وكتب إلى
الملوك يدعوهم إلى الاسلام والطاعة على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم،
وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم جي سنكه والملوك وتسموا بأسماء العرب، وغزا
عمرو بن مسلم بعض الهند فظفر، وبقي ملوك السند مسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد
بن عبد الملك، فلما كان أيام هشام بن عبد الملك ارتدوا عن الاسلام، وكان سببه ما ندكره
إن شاء الله تعالى.
وقدم بنو الملهب إلى السند هاربين في أيام يزيد بن عبد الملك فوجه إليهم هلال بن أحوز
التميمي، فقتل مدرك بن المهلب بقندابيل قندهار وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومرواهن
ومعاوية بني المهلب، وقتل معاوية بن يزيد في آخرين، كما في فتوح البلدان.
عيينة بن موسى التميمي
عيينة بن موسى بن كعب التميمي كان والده على شرط السفاح فاستخلف مكانه
المسيب بن زهير وقدم السند وقدم معه ولده عيينة، ولما سار أبوه إلى العراق استخلفه
على السند، وخلعه المنصور سنة اثنتين وأربعين ومائة، وسبب خلعه أن أباه استخلف
المسيب بن زهير على الشرط، فلما مات موسى أقام المسيب على ما كان بلى من الشرط
وخاف أن يحضر المنصور عيينة فيوليه ما كان إلى أبيه فكتب إليه ببيت شعر ولم ينسب
الكتاب إلى نفسه.
فأرضك أرضك إن تأتنا تنم نومة ليس فيها حلم
فخلع الطاعة، فلما بلغ الخبر إلى المنصور سار بعسكره حتى نزل على جسر البصرة
ووجه عمر بن حفص العتكي عاملًا على السند والهند، فحاربه عيينة فسار حتى ورد
السند فغلب عليها، كما في الكامل.
ليث بن طريف الكوفي
استعمله المهدي بن المنصور العباسي على بلاد السند- وكان مولدا من مواليه- فقام
بالأمر مدة من الزمان، وخرج عليه الزط جاث سنة خمس وستين ومائة، فسير إليه المهدي
جيشًا كثيفًا، فقاتل الزط وقتلهم، وعزله هارون بن المهدي لعله سنة سبعين ومائة.
محمد بن عبد الله العلوي
السيد الشريف محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن
أبي طالب الهاشمي القرشي المديني المشهور بابن الأشتر ولد بأرض السند، ولما قتل والده
عبد الله سيره هشام بن عمرو التغلبي أمير السند إلى المنصور الخليفة العباسي، فسيره
المنصور إلى عامله بالمدينة وكتب معه بصحة نسبه وتسليمه إلى أهله سنة إحدى وخمسين
ومائة، كما في الكامل.
وقال جمال الدين أحمد بن علي الداودي في عمدة الطالب: قال الشيخ أبو نصر البخاري:
قتل عبد الله الأشتر بالسند وحملت جاريته وصبي معها يقال له محمد بعد قتله وكتب أبو
جعفر المنصور إلى المدينة بصحة نسبه، وقال: كتب إلى حفص بن عمر المعروف بهزار مرد
أمير السند بذلك، ثم قال الشيخ أبو نصر البخاري: وروى عن جعفر الصادق أنه قال:
كيف يثبت النسب بكتابة رجل إلى رجل! ذكر ذلك أبو اليقظان ويحيى بن الحسن
العقيقي وغيرهما- والله أعلم، ثم قال أبو نصر البخاري: وقال آخرون: أعقب وصح
نسبه- انتهى.
أما ما نقل جمال الدين عن جعفر الصادق فيقدح فيه أن جعفر الصادق توفي سنة ١٤٨
وكانت الواقعة في سنة ١٥١، فلا تصح نسبة هذا القول إلى جعفر الصادق.
1 / 48