فإن قلت: هل بقي من فرق آخر بين إنكار أصل الإجماع حيث لم يكن كفرًا، وإنكار الحكم المجمع عليه الضروري حيث كان كفرًا؟
قلت: نعم، وتقدم قبله مقدمة، وهي أن النظام وغيره إنما أنكروا كون الإجماع حجة زعمًا منهم أنه لا يستحيل الخطأ على أهل الإجماع وأنه لا دليل على عصمتهم قطعًا، إذ ما أستدل به على ذلك يحتمل التأويل، فالإجماع الذي أنكروه هو تطابق العلماء على تفرقتهم وكثرتهم على رأي نظري، وهذا ليس كإنكار الضروري الذي هو تطابقهم على الإخبار عن محسوس على نقل التواتر وذلك قطعي لحصول العلم الضروري به، والقدح فيه يسري إلى إبطال الشريعة من أصلها فتطابق العلماء على رأي واحد نظري لا يوجب العلم القطعي إلا من جهة الشرع فلم يكن إنكار كونه من أصله حجة، ولا إنكار إفادته القطع مع الاعتراف بحجيته مكفرًا على الأصح فإنه بخلاف إنكار الضروري فإنه يجر إلى إنكار الشرع بل الشرائع كلها، فمن ثم كان كفرًا كما تقرر، فاتضح الفرق بين إنكار أصل الإجماع أو كونه حجة قطعية وبين إنكار الضروري، وبما قررته يعلم رد تنظير الغزالي في كفر جاحد المجمع عليه، بأن النظام أنكر كون الإجماع حجه فيصير مختلفا فيه، ووجه رده أن النظام لا ينكر الحكم كما مر، وعلى التنزل فهو بهذا الإنكار مبتدع ضال، فلا نظر لإنكاره ولا لخلافه.
فإن قلت: نافي حكم الإجماع أخف حالًا من جاحد المجمع عليه، لأن الأول ليس معه اعتقاد مخالف بخلاف الثاني فإن الجاحد يقتضي سبق الاعتراف والاعتقاد.
قلت: إذا تأملت ما سبق من التقرير علمت أن الملحظ في التكفير إنما هو
1 / 97