فيها كفرًا، وهذا جلي واضح فلا نطيل فيه؛ لأن الكلام فيه لا يليق بهذا المصنَّف المبني على غاية من الإتقان والتحرير.
ومنها: أن احتجاجه بما ذكر مكفر له صريحًا، فإنه كفّر مسلمًا من غير تأويل؛ لأن المفتي إذا أفتى بحكم فلا يخلو إما أن يكون حقًا أو خطأً، فإن كان حقًا فلا كلام في تكفير مكفره، وإن كان خطأ فكذلك، وإن تعمد الخطأ؛ لأنه لم يتعمد تكفير أحد بعينه، إذ المفتي لا يفتي على أحد معين. والعجب من جرأته كيف يكفر غيره، ويستدل بما يكفر به نفسه؟
فإن قلت: فلمَ ذكرتَ هذه الإشارةَ الخفية ولم تفصل في الجواب، كما فصّلت هنا، ولا أطلقت القول بالحرمة كما في الأذكار؟
قلت: إيثارًا للاختصار، وحذرًا من الوقوع في ورطة الإطلاق، فإنه قال في آداب المفتي من الروضة: وإذا كان في المسألة تفصيل لم يطلق الجواب فإنه خطأ بالاتفاق، وليس له أن يكتب الجواب على ما يعلمه من صورة الواقعة إذا لم يكن في الواقعة تعرّض له. انتهى.
وليس الإطلاق في المصنفات كالإطلاق في الفتاوى، فإن الناظر في المصنفات لا يقتصر على مصنف واحد وإلا كان مقصّرًا، بخلاف المستفتي، فإنه لا أهلية له في النظر في المصنفات حتى يعلم حكم الواقعة، وإنما الواجب عليه دفعها للمفتي، فمتى أفتاه وأطلق له في محل التفصيل ألجأه إلى الوقوع في الخطأ، فكان المفتي مخطئًا اتفاقًا.
وأيضًا فالمصنفات تكثر مسائلها، فلو كلف المصنفون إلى استيعاب سائر التفاصيل في كل مسألة لشق عليهم، بل عجزت عن ذلك قدرتهم، فساغ لهم ذكر أصول المسائل، والإطلاق في بعض الأبواب اتِّكالًا على فهم التفصيل من محل آخر، وغير ذلك مما لا يخفى على ناظر في كتبهم.
وأيضًا فإنما لم أفصّل في الجواب تفصيلًا واضحًا قصدًا لستر المعنى المكفر عن العامة حتى لا تتطرق إليه أفهامهم، فإن غالب فطرهم سليمة، ولا يقصدون بقولهم لبعضهم: يا كافر يا عديم الدين إلا كفر النعمة، أو: يا من فعله كفعل
1 / 66