وأما ثالثا : فلأن نفس زيارة القبر النبوي عند ابن تيمية ممتنعة وغير مقدورة ، فما معنى كون عنده غير مشروعة ، فإن شرعية الشيء وعدمها فرع إمكانه كما قال بدر الدين الشلبي القاضي محمد بن عبد الله أبو البقاء الدمشقي الحنفي المتوفى على ما قيل سنة تسع وستين وسبعمئة تلميذ المزي والذهبي في الباب الثلاثين من كتابه " آكام المرجان في أحكام الجان" : قول الفقهاء لا تجوز المناكحة بين الجن والإنس وكراهة من كرهه من التابعين دليل على إمكانه ؛ لأن غير الممكن لا يحكم عليه بجواز ولا بعدمه في الشرع .انتهى .
وأما رابعا فلان ابن عبد الهاد صرح في " الصارم" في مواضع أن ابن تيمية لا ينكر زيارة القبر النبوي الشرعية ، إنما ينكر الزيارة البدعية ، وهذا وإن كان غير صحيح في نفسه كما بسطته في " السعي المشكور" لكن يكفي لإلزام صاحب " الرحلة" المصوب لكلمات " الصارم" حيث يقول : أنها عند ابن تيمية غير مشروعة ، فإن قال مرادي ذكر الخلاف في السفر بقصد الزيارة لا في نفس الزيارة قلنا ذلك أبعد وأبعد ، فإنه حينئذ لا يصح ذكر قول الحنفية بقرب الوجوب وقول الظاهرية والمالكية بالوجوب ، فإن هذين القولين إنما هما في نفس الزيارة لا المسافرة ، فلم يقل أحد بوجوب السفر إلى المدينة بقصد الزيارة وإن ذهب بعضهم إلى وجوب نفس الزيارة مع أنه يأبى هذا المراد كلامه بعده ؛ فإنه ذكر دلائل كون نفس الزيارة مشروعا ، وأجاب عنها أخذا من " الصارم" ، وقد فرغت عن رد بعض ما في " الصارم" في " السعي المشكور" وذلك كاف لرد ما أخذه منه .
Page 74