CHECK [مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
لك الحمد يارب على أن هديتنا إلى سواء السبيل ، أشهد أنك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك ، لك ولا نظير لك ولا مثيل ، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبدك ورسولك المفضل على جميع خلقك أكبر تفضيل ، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يتميز فيه العزيز من الذليل .
وبعد فيقول العبد الراجي رحمة ربه القوي أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي ابن عبد الحليم أدخله الله في دار النعيم :
قد وصلت إلى رسالة مسمى بشفاء العي عما أورده الشيخ عبد الحي مشتملة على الأجوبة عن بعض إيراداتي على صاحب الاتحاف والاكسير والحطة وغيرها من التصانيف الجليلة ، وهو العالم الجليل والفاضل النبيل مجمع الكمالات الإنسية منبع الفضائل الحميدة ، النواب السيد صديق حسن خان بهادر دام اقباله ابن المولوي السيد أولاد حسن القنوجي المرحوم ، وقد كنت أوردت عليه في تصانيفي ما صدر عنه في تصانيفه وهو غلط قطعا أو ظنا ، وما كان ردي له بغضا وعنادا ، بل حسبما يرد بعض العلماء بعضا لإبطال الباطل وإظهار الحق ، وهو أمر أحق ، وذلك لأن تصانيفه وإن اشتهرت وكثرت وأفادت الخلائق ونفعت ، ولكنها مع ذلك غير منقحة ولا مهذبة يعلم من طالعها أن مؤلفها لم يقصد فيها إلا جمع الرطب واليابس ، كجمع الغافل والناعس ، لا ينقح الأمور التي يجب تنقيحها ، ولا تحقيق التي يجب تحقيقها ، وفيها مسائل بشعة شاذة ، ودلائل مطروحة ومخدوشة ، وأغلاط فاحشة لا سيما في تصانيفه المتعلقة بتواريخ المواليد والوفيات ، وذكر التراجم والطبقات .
Page 6
ومن المعلوم أن مثل هذه الأمور مفسدة لخلق الله ومضلة لعباد الله ، والواجب على العلماء المتدينين أن يكفوا الناس عن أمثال هذه الأمور السخيفة ويحفظوهم من الأحكام الضعيفة ، فمن ثم توجهت إلى إبراز بعض أغلاطه الصريحة في تصانيفه المتفرقة لغرضين :
أحدهما : أن يتحفظ الخواص والعوام عن الخرافات والاكاذيب والأوهام .
وثانيهما : أن يتنبه مؤلفها ويتيقظ مصنفها ، فينقد ما في تصانيفها ويزيل في النظر الثاني أغلاطها .
ولم أكتب تصنيفا مستقلا في إبراز أغلاطه ولا توجهت إلى جمع مسامحاته ، ولو شئت لفعلت قصدا إلى أن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ، وقد حصل الغرض الأول بحمد الله تعالى ولم يحصل الثاني .
Page 7
وكان أهمهما حيث لم يتنبه مؤلفها بل توجه إلى الإصرار بما فيها والجواب عما أورد عليها ، فصنفت رسالة مذكورة مسماة بشفاء العي بإشارته وبعلمه والله أعلم بمن ألفها ومن هذبها وقد وجدت في أولها اسم مولفها أبو الفتح عبد النصير ، والظاهر أنه اسم لا وجود لمسماه في بلدة بهوبال ، فان كان فليس من المشهورين بالفضل والكمال ، ولعله واحد من طلبة العلوم غير لائق لأن يخاطبه أرباب العلوم ، والذي أظن فيما سمعت من بعض الثقات أنه ألفها الشيخ محمد بشير السهسواني مؤلف الرسائل في بحث زيارة القبر النبوي ، فإن كان كذلك فهو مأخوذ بالعود إلى ما يحسبه ذنبا بعد التوبة وذلك لأني لما صنفت رسالتي " الكلام المبرم في نقض رسالته القول المحقق المحكم" وأدرجت في ديباجة اسم بعض تلامذتي ، أورد علي في رسالته " القول المنصور" : بأن مثل هذه الصنيع غير جائز ، فلما أوردت عليه في " الكلام المبرور" بأنه قد ارتكب هو أيضا عند مقابلة بعض العلماء بمثله ، ذكر في رسالة " المذهب الماثور" : أني قد تبت منه فيالها من توبة قد جعلها شيئا فريا واتخذها ظهريا ، حيث صنف هذه الرسالة بنفسه وأدرج فيه اسم أبي الفتح عبد النصير مع علمه قبح صنيعه وأيا ما كان ؛ ألفه الشيخ السهسواني ، أو رجل آخر مسمى بعبد النصير ، فلا ريب في أن صاحب الاتحاف قد اطلع عليه ورضى به ، كيف لا ؟ ومن ينصر رجلا ويجيب عن الإيرادات الواردة عليه ، لا بد أن يطلع المنصور عليه ويفهمه .
Page 8
وقد وقفت على بعض تحريرات صاحب الاتحاف كتبه إلى بعض الأحباب فيه ما يدل على أنه واقف بهذا الرد وراض به ، وإذا كان هذا هكذا فلست أخاطب عبد النصير ولا الشيخ السهسواني في هذه المباحث ، بل مخاطبتي بصاحب الاتحاف فإني أنا وهو بحمد الله أخوان في العلم والكمال وإن فاق هو بالرياسة والاقبال ، ومباحثة الأخ مع الأخ أهون من المباحثة مع الأجانب .
وقد كنت أردت أن أترك التعقبات عليه لما سمعت أنه يحزن منها ، ويحملها على التعصب والعناد ، ولكنه لما ألف واحد من ناصريه هذه الرسالة المستقلة بمقابلتي فتأليفه عين تأليفه دعاني ذلك إلى تأليف مستقل في جوابه ، وسميت هذا التأليف بسم الله الرحمن الرحيم" إبراز الغي الواقع في شفاء العي" ، ولقبته ب"حفظ أهل الإنصاف عن مسامحات مؤلف الحطة والإتحاف" .
ولنقدم مقدمة تشتمل على ذكر بعض مسامحات صاحب الإتحاف في رسائله المتفرقة واختياراته الغير المرضية ، ليعلم الناظرون صدق ما اسبقنا ذكره ، وليتنبه مؤلفها فينقح تآليفه .
ولئن قام هو أو واحد من ناصريه إلى الجواب عنها والإصرار عليها ، أو حمله سوء الخصومة على تأليف رسالة في إبراز أغلاطي وأنا إن شاء الله منها برئ ، وجد في المرة الثالثة أضعافا مضاعفة ورسائل متعددة في أغلاط فاحشة .
Page 9
وبعد الفراغ من المقدمة نتوجه إلى إبراز ما في " شفاء العي من الغي" ، فنقول : قد اختار صاحب الإتحاف في تصانيفه عادات وطرقا يجب أن يجتنب عنها فمن ذلك : أنه يقلد تقليدا جامدا لابن تيمية وتلامذته وللشوكاني وأمثاله مع أنه من أشد المنكرين على المقلدين فإلى الله المشتكى من مثل هذا الصنع فما الذي حرم تقليد المجتهدين والأئمة المتبوعين وأباح تقليد هؤلاء المستحدثين وليسوا بجنب المجتهدين المتبوعين إلا كعصافير بجنب الناطقين ، ومن طالع تصانيفه علم هذا الأمر فإنه يرجح غالبا ما رجحوه وان كان سخيفا ، ويكتب ما سطروه وان كان غلطا فاحشا .
ولنذكر في مثاله أمورا عديدة ، فمنها : أنه افترى على الإمام مالك وعلى الأئمة الأربعة وعلى الجمهور في بحث زيارة القبر النبوي في كتابه " رحلة الصديق إلى البيت العتيق" وخلط بحثا ببحث آخر ، وأجرى الخلاف المنقول في شد الرحال بقصد الزيارة في نفس الزيارة ، وستطلع على ذلك أثناء البحث عما في " شفاء العي" .
Page 10