وأما الزيارة البدعية ، والسفر بقصدها المشتمل على أمور محرمة ومكروهة كالسفر بقصد الشركة في مجالس الأعراس المعهودة في زماننا المشتملة على جعل قبور المشايخ عيدا وعلى أمور كثيرة غير مشروطة كالغناء مع المزامير والرقص ، وجعل القبور أوثانا تعبد فلا كلام في عدم جوازه .
وأما نفس زيارة القبر النبوي فلم يذهب أحد من الأئمة وعلماء الملة إلى عصر ابن تيمية إلى عدم شرعيته ، بل اتفقوا على أنها أفضل العبادات وأرفع الطاعات ، واختلفوا في ندبهما ووجوبها ، فقال كثير منهم : بأنها مندوبة .
وقال بعض المالكية والظاهرية : أنها واجبة .
قال أكثر الحنفية : أنها قريب من الواجب ، وقريب الواجب عندهم في حكم الواجب .
وأول من خرق الإجماع فيه وأتى بشيء لم يسبق إليه عالم قبله هو ابن تيمية ، فإنه جعل نفس زيارة القبر النبوي أيضا غير مشروعة ، وكثير من أتباعه وإن أنكروا صحة هذا القول منه ، وهو الذي كنت أظنه سابقا لكن معاينة " الصارم" لتلميذه جعلني على يقين إنكاره نفس الشرعية كما لا يخفى على من طالعه ، ولعلك تفطنت من هذا البحث ما صدر من صاحب " الرحلة" في قوله المذكور من الخلط والمغالطة .
أما أولا : فلأنه في صدد ذكر الخلاف في نفس الزيارة ذكر خلاف الجويني وعياض مع أن خلافهما في جواز السفر بقصد الزيارة لا في نفس الزيارة ، وهما أمران متغايران .
وأما ثانيا فلأنه نسب ذلك إلى مالك مع أنه بريء عن هذا القول ، فعنده ليس نفس الزيارة غير مشروع ولا السفر إليه .
Page 73