قال المؤرخ ابن خلدون في " مقدمة تاريخه" : أما الجدل وهو معرفة أداب المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم ، فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعا ، وكل واحد من المناظرين في الاستدلال والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج ، ومنه ما يكون صوابا منه ما يكون خطأ ، فاحتاج الأئمة إلى أن يضعوا أدآبا وأحكاما يقف المناظران عند حدودها في الرد والقبول ، وكيف يكون حال المستدل والمجيب ، وحيث يسوغ له أن يكون مستدلا ، وكيف يكون مخصوصا منقطعا ، ومحل اعتراضه أو معارضته وأين يجب عليه السكوت ولخصمه الكلام والاستدلال ، ولذلك قيل : أنه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال التي يتوصل بها إلى حفظ رأي وهدمه ، كان ذلك الرأي من الفقه وغيره ، وهي طريقتان :
طريقة البزدوي : وهي خاصة بالأدلة الشرعية .
وطريقة العميدي : وهي عامة في كل دليل يستدل به من أي علم كان ، وهذا العميدي هو أول من كتب فيها ، ونسبت الطريقة إليه ، وضع الكتاب المسمى ب" الإرشاد" مختصرا ، وتبعه من بعده من المتاخرين كالنسفي وغيره ، وكثرت في الطريقة التآليف وهي لهذا العهد مهجورة ؛ لنقص العلم والتعليم في الأمصار الإسلامية ، وهي مع ذلك كمالية . انتهى كلامه .
وفي " تقرير العلوم" : علم الجدل : علم باحث عن الطرق التي يقتدر به على إبرام أي وضع كان وعلى هدم أي وضع أريد ، وهذا من فروع علم النظر المبنى لعلم الخلاف ، وهو مأخوذ من الجدل الذي هو أحد أجزاء مباحث المنطق ، لكنه خص بالعلوم الدينية ومبادئه(1)بعضها أمور مشتتة في علم النظر وبعضها خطابية وبعضها أمور عادية .
وله استمداد من علم المناظرة .
Page 64