Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
ونحسب أن ذلك القول لا يخلو من مبالغة، لأنه كتب كثيراً في مدة حبسه الأخير، وما كان ممنوعاً من المطالعة ولا من الكتاب طول هذه المدة، بل كان المنع والتضييق في آخرها، ومكث المنع نحو خمسة أشهر من مدة أكثر من سنتين؛ ولذلك نحن نظن أن الخبر مبالغ فيه وربما كان غير صحيح، إذا كان أساسه الاستنباط لا الإخبار.
ومهما تكن قيمة ذلك الخبر ومقدار المبالغة فيه، فمن المؤكد أنه كانت له حافظة واعية هي مضرب الأمثال. وقد كانت تثير إعجاب المحبين، وألم المخاصمين.
١٠٨- والصفة الثانية من صفات ابن تيمية العمق والتأمل، فقد كان رضي الله عنه يدرس المسائل متعمقاً فيها، بل ربما قضى الليالي متفكراً في مسألة واحدة حتى يحل مغلقها، وينتهي إلى الأمر الجازم فيها، وكان يتأمل الآيات والأحاديث وقضايا العقل، ويوازن ويقايس بفكر مستقيم حتى ينبلج له الحق واضحاً، ولذلك كان من أدق العلماء وأقدرهم على استنباط المعاني من الأحاديث وآيات القرآن الكريم، ولقد جاء في الكواكب الدرية أيضاً.
((وأما ما وهبه الله تعالى ومنحه من استنباط المعاني من الألفاظ النبوية، والأخبار المروية، وإبراز الدلائل منها على المسائل، وتبيين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وإيضاح المخصص للعام، والمقيد للمطلق، والناسخ للمنسوخ، وتبيين ضوابطها ولوازمها وملزوماتها وما يترتب عليها وما يحتاج فيه إليها، فما لا يوصف، حتى كان إذا ذكر آية أو حديثاً وبين معانيه وما أريد به يعجب العالم الفطن من حسن استنباطه ويدهشه ما سمعه أو وقف عليه منه))(١).
فلم يكن ابن تيمية حافظاً واعياً فقط، بل كان متعمقاً لا يكتفي فيما يدرس بالنظرة الأولى، بل يردد البصر؛ ويصبر غور المسائل حتى يصل فيها إلى نتائج محققة، وما يصل إليه يدهش العقول، ويحير الخصوم.
(١) ص ١٥٥ من المجموعة التي طبعها الكردي.
97