97

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

١- صفاته

١٠٧- اختصر الله سبحانه وتعالى ذلك الرجل بصفات كانت هي البذرة التي نمت واستوت على سوقها، فكانت ذلك العالم الجليل، وما نمت إلا بما سقيت من ماء، وما تهيأ من جو صالح، وتربة طيبة تغذت من عناصرها، فإن الله سبحانه قد وهب له مزايا من شأنها أن تجعل منه ذلك العالم الذي جدد الإسلام، فأعاد إليه شبابه، كما كان عليه في عهد الرسول والصحابة.

وأولى هذه الصفات حافظة قوية واعية كانت موضع حديث عصره، والحافظة الواعية هي أساس العلم؛ فالعالم من يتكون له في حافظته مادة أساسية يستخدمها وينميها، وبمقدارها ومقدار القوة على استخدامها يكون قدره وسط العلماء، ولعل التاريخ لا يذكر كثيرين أوتوا مثل ذاكرة ابن تيمية، فقد بدت فيه مخايلها منذ غرارة الصبا، حتى إنه ليحفظ بضعة عشر حديثاً بالنظرة والكتابة، ولما استوى رجلاً قوياً كانت تلك الحافظة هي التي تسعفه في الجدل والمناظرة وإفحام الخصوم. وهي التي تبرز علمه، وتثير إعجاب الناس به مع قوة البيان، وثبات الجنان، وعظيم التضحية، وتحمل المحن والبلاء؛ وقد ذكرنا أن صاحب سبتة طلب منه إجازة بعض أسانيده. فكتب له عشر ورقات في الأسانيد لم يرجع فيها إلى كتاب.

ولقد جاء في الكواكب الدرية ((من أعجب الأشياء أنه لما سجن صنف كتباً كثيرة، وذكر فيها الأحاديث والآثار، وأقوال العلماء وأسماء المحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم، وعزا كل شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه، وذكر أسماء الكتب التي ذكر ذلك فيها، وفي أي موضع هو منها؛ كل ذلك بديهة من حفظه؛ لأنه لم يكن عنده حينئذ كتاب يطالعه، ونقبت واختبرت فلم يوجد بحمد الله فيها خلل ولا تغيير (١))).

(١) الكواكب ص ١٥٥ في ضمن مجموعة طبع الكردي.

96