5
وتبرز أزهار الرمان الحمر بين أوراقه الخضر، وتحيط بتلك الحدائق أشجار شائكة لمنع الناس من دخولها، وتسترها طبقة من الغبار، فيخفى أمرها على الصبيان فتخمشهم وتبكيهم.
ويلاحظ الفتى نظر فريق من الناس إلى البيوت المزخرفة وأعمدتها شزرا ما فطر على الدقة والنفوذ إلى ما يخالج الأفئدة، ولم يأكل قلبه الحسد من ذلك ما بعد من ذهنه أن يعيش كأولئك الأغنياء، أفلم يكفه لبن المواعز وإقط
6
الضوائن والتين؟ أفيكون النجار أقل قيمة من المتعلم عند الله؟ أفلم يسمع أن فريسيين كثيرين كانوا صناعا؟ هو حين يدخل الكنيس، يفضل أن يدفن تحت الأرض على أن يجلس في الصف الأول حيث يكون الأغنياء.
ولم يسطع آل الفتى أن يذهبوا إلى أورشليم حجاجا منذ طويل زمن لفقرهم، فيثير ذلك في نفوسهم أشد الآلام. ومدة السفر إلى أورشليم ثلاثة أيام، ونفقة السفر إلى أورشليم تكلف غاليا. وفي العام الماضي، زار جار للفتى أورشليم فحدثه عن كل ما رآه، وعن زخرف هيكل هيرودس، وعن كثرة القرابين في المذبح، وعن حلة رئيس الكهنة الزاهية، وعن الضوضاء في الأسواق.
ولكن يسوع لم يتمن السفر إليها ولم يشتق إلى الهيكل فيها. •••
درج تؤدي إلى الكنيس البارد الطويل، فيصعد فيها الأب وأولاده الكبار فيدخلونه، وتدخل الأم المكان المفصول الخاص بالنساء، فتعلو أصوات الرجال ويحتدم جدلهم، فيدعوهم إلى السكوت كاهن القداس الجالس على كرسي عال في صدر المحل، فيقفون لتلاوة دعاء، ثم يسأل عن أيهم يرغب اليوم في قراءة ما تيسر من التوراة، فينهض من الصف الأول رجل بادن ذو لحية بيضاء، لابس رداء من حرير، وشالا موشى بكريم الحجارة ، فيفسح الجميع له في المجال، فيرتقي المنبر، ويرتل ما يقرأ. وهذا الرجل من أغنى أبناء بلده، وهو كثير العلم، وهو لا يبارى في إيتاء الصدقات، وهو لا يعطيها إلا جهرا، وهو أول الداخلين لبيت الله، وآخر الخارجين منه، فيقضي أوقاته فيه بالصلوات، وهو يتقن الصوم، ويحسن تربية أولاده الكثيرين خشية الله، وهو يعطي المعبد والفقراء أكثر من عشر دخله، وهو أسوة حسنة للقوم، والقوم لا يحبونه مع ذلك؛ لأنه لا يحب أحدا.
بدا فاترا مغموما ذلك الفتى البائس الواقف على أطراف أصابعه ليبصر من بين الجمع الكرسي العالي الموضوع في صدر القاعة، ولم يرقه ما ينطق به ذلك السمين الأمين، ثم لام نفسه على هذا ما نزه ذلك الرجل من إيذاء أي إنسان، وما امتدح أبوه كرمه الذي تجلى حينما دفع إليه أكثر مما اتفق عليه ثمنا لباب صنعه له، وما الذي يباعد بين الفتى وبينه إذن؟ وإن النقاش ليشتد بين أولئك غير موافقين على تفسير ما قرأ، وإن النقاش ليشتد بين أولئك حول دلالة كلمة «المسيح» على معنى «ابن الله» أو «ابن داود»، فيستند كل واحد منهم إلى آية من التوراة دعما لرأيه؛ إذ يترجح ذلك الفتى بين الاحمرار والاصفرار ضنينا بما في نفسه من الكنوز الخفية، فيود لو يفر بها من الكنيس الضيق الخانق إلى ذلك الجبل؛ حيث تدنو القنابر فيه، وحيث يألف جدول الماء، وحيث يظلل الغمام رأسه، وحيث يتيه نظره من خلال السحب في ملكوت السماوات.
ويقصد الصبيان الكنيس البارد بعد الظهر فيتألف من جلوس بعضهم بجانب بعض حلقة، ويمسك كل واحد منهم قرطاسا ذا كتابات فيرددون ما يتلوه المعلم الجالس في وسط الحلقة، مشيرين بأصابعهم إلى ما في قراطيسهم مما يقرؤه حرفا حرفا، ولا تلبث الحروف أن تتحول إلى كلمات، والكلمات إلى جمل فيرتلها الطلاب.
Unknown page