21
ثم لخص ذلك في مثل واحد فجعل منه أساس اليهودية؛ وهو: «لا تعامل غيرك بما لا تحب أن يعاملوك به.» ومثل ذلك قول أبيقور في بلد قاص: «عمل الخير أفضل من نيله.»
وهنالك ما يباين ذلك، فلو نظرت إلى أكثر أتباع هلل تشددا لرأيت أفئدتهم تهفو
22
حبا لمتاع الحياة الدنيا، فهم يقولون: إن الله إذا كان ربا جبارا رءوفا معا؛ فإن الدنيا طيبة، فالله لم يحرم الغنى ولا نعم العيش، وقد أمر أبناءه بأن ينالوا حظا من الحياة، فيراعوا أحكام الشريعة من غير زهد، ويتزوجوا شبابا للإكثار من الأولاد، ويحظوا بالنساء والخمر ضمن حدود التوراة، وفي التلمود: «الجنة لمن يسر أصحابه.»
ووجد ما ينقض مذهب أولئك أيضا؛ فقد سأل بعض الأنبياء: لماذا يريد الإله الخفي المقدس تقريب القرابين تسكينا لغضبه؟ وإذا كان الله قد جعل من اليهود شعبا مختارا؛ فلم يسومهم خسفا
23
على الدوام، ويأذن في استعبادهم؟ أليجازيهم؟ ألا يدل ذلك على عدم نصره لهم؟ أليس اليونان أكثر حرية وأعظم أدبا من اليهود الذين قيدتهم شريعتهم بما لا يحصيه عد من القيود؟
تبدد سحر العزلة بفعل اللغات الأجنبية في أثناء الإسارة البابلية، واليوم يخاطب الوالي الروماني اليهود باللغة اليونانية، واليوم تتم المرافعات أمام القاضي الروماني باللغة اليونانية، واليوم تكتب العقود التجارية باللغة اليونانية، واليوم يضطر الكهنة والعلمانيون والعمال والفلاحون إلى التفاهم هم والجنود باللغة اليونانية، وأخذت التوراة الأصلية المقدسة تفسح المجال لترجمتها الإغريقية، فأخذ اليهود الذين ذلك شأنهم يفضلون هذه الترجمة على الأصل العبري، فبدت بذلك ثغرات في السد المنيع، فصارت مياه الغرب تغمر غيرها.
تجاه ذلك الترهل،
Unknown page