107

انتقلت إلى مبنى متعدد الطوابق في ويست إند. أرادت أن تتخلص من محتويات غرفة بينيلوبي، ولكنها في النهاية جمعتها كلها في أكياس القمامة وأخذتها معها. لم يكن لديها سوى غرفة نوم واحدة الآن، ولكن كان هناك مكان للتخزين في القبو.

بدأت تمارس الركض في متنزه ستانلي. والآن لم تعد تأتي تقريبا على ذكر بينيلوبي، حتى لكريستا. وقد أصبح لديها صديق حميم - هكذا يسمونهم الآن - والذي لم يسبق له أن سمع شيئا قط عن ابنتها.

صارت كريستا أكثر نحافة ومتقلبة الحالة المزاجية؛ وفجأة، في يناير، ماتت. •••

لا يستمر الظهور على التليفزيون للأبد؛ فمهما راق وجهك للمشاهدين، يأتي وقت يفضلون فيه شخصا مختلفا. عرضت وظائف أخرى على جولييت؛ منها إجراء أبحاث، أو كتابة التعليق الصوتي للبرامج التي تهتم بالطبيعة، ولكنها رفضتها وهي مبتهجة، واصفة حالها بأنها في حاجة لتغيير جذري. عادت إلى دراستها الكلاسيكية، وقد تراجع حجم القسم عما كان عليه، ورغبت في كتابة رسالة الدكتوراه. ثم انتقلت من شقتها في المبنى متعدد الطوابق إلى شقة مكونة من غرفة واحدة لتوفير المال.

بينما حصل صديقها على وظيفة مدرس في الصين.

كانت شقتها تقع في قبو أحد المنازل، ولكن الأبواب المنزلقة في الخلف كانت تؤدي إلى الطابق الأرضي. وهناك كان لديها فناء ممهد بالحجارة، وتعريشة تضم البازلاء الحلوة وياسمين البر، وأعشاب وزهور في أصص. وللمرة الأولى في حياتها، وعلى نحو محدود للغاية، اهتمت بالبستنة كما فعل والدها.

في بعض الأحيان، يستوقفها الناس - في المتاجر أو في حافلة الحرم الجامعي - «عذرا ولكن وجهك مألوف.» أو «أولست السيدة التي كانت تظهر في التليفزيون؟» ولكن بعد عام تقريبا لم تعد تمر بهذه المواقف. أمضت كثيرا من الوقت في الجلوس والقراءة وشرب القهوة على طاولات المقاهي على جوانب الطرقات، ولم يكن أحد يلاحظها. تركت شعرها ينمو؛ فخلال السنوات التي ظلت تصبغه فيها باللون الأحمر فقد الحيوية التي كان يستمدها من لونه البني الطبيعي؛ كان بنيا مشوبا بالفضي الآن، جميلا ومتموجا. لقد ذكرها بوالدتها سارة. شعر سارة الناعم الجميل المتطاير والذي صار رماديا ثم أبيض.

لم تعد لديها مساحة كافية كي تدعو الناس للعشاء، وكذلك فقدت اهتمامها بوصفات الطبخ. كانت تتناول الوجبات المغذية بالقدر الذي يكفي ولكنها مملة. ودون أن تتعمد هذا، فقدت اتصالها بمعظم أصدقائها.

لم يكن هذا مستغربا؛ حيث إنها تعيش الآن حياة مختلفة تماما عن حياة المرأة الشهيرة كشخصية عامة مفعمة بالحيوية وتمتلئ بالمشاغل وعلى قدر عال من المعرفة والاطلاع. أصبحت تعيش بين الكتب، وتقرأ طوال معظم ساعات يقظتها، وأرغمت على تغيير أي فرضيات كانت تملكها قبل ذلك أو التعمق فيها. وعادة ما كانت تفوتها أخبار العالم لمدة أسبوع في المرة.

تخلت عن فكرة كتابة رسالة الدكتوراه، ووجهت اهتمامها للروائيين الإغريق، الذين كتبوا في وقت متأخر من تاريخ الأدب الإغريقي (بدءا من القرن الأول قبل الميلاد وحتى بداية العصور الوسطى)؛ أريستيدس، لونجس، هليودورس، أخيل تاتيوس. وقد فقدت معظم أعمالهم أو وجدت غير كاملة، وقد اتصفت بالفحش. ولكن هناك رواية رومانسية كتبها هليودورس وتسمى إثيوبيكا أو (الإثيوبية) كانت توجد في الأصل في مكتبة خاصة واستعيدت في حصار بوذا، وكانت قد عرفت في أوروبا منذ أن طبعت في بازل في 1534.

Unknown page