254

Al-ḥujja fī bayān al-maḥajja wa-sharḥ ʿaqīdat ahl al-sunna

الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة

Editor

محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي [جـ ١]- محمد بن محمود أبو رحيم [جـ ٢]

Publisher

دار الراية

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٤١٩ هـ - ١٩٩٩ م

Publisher Location

السعودية / الرياض

ولولاه لم يكن تَكْلِيف وَلَا توجه أَمر وَلَا نهي، فَإِذَا اسْتَعْملهُ عَلَى قدره، وَلم يُجَاوز بِهِ حَده أَدَّاهُ ذَلِك إِلَى الْعِبَادَة الْخَالِصَة، والثبات عَلَى السّنة، وَاسْتِعْمَال المستحسنات وَترك المستقبحات.
١٧٢ - فَيكون هَذَا معنى قَول نَبِي اللَّه. فِي الرجل يكثر الصَّلَاة وَالصِّيَام: " إِنما يجازى عَلَى قدر عقله ". وَقَالَ بَعضهم: الْعقل مُدبر يدبر لصَاحبه أَمر دُنْيَاهُ وعقباه، فَأول تَدْبيره الإِشارة إِلَى الْمُدبر الصَّانِع، (ثُمَّ) إِلَى معرفَة النَّفس ثُمَّ يُشِير إِلَى صَاحبه بالخضوع وَالطَّاعَة لله، وَالتَّسْلِيم لأَمره، والموافقة لَهُ، وَهَذَا معنى قَوْلهم: الْعَاقِل من عقل عَنِ اللَّه أمره وَنَهْيه. وَقَالَ بَعضهم: الْعقل حجَّة اللَّه عَلَى جَمِيع الْخلق، لِأَنَّهُ سَبَب التَّكْلِيف، إِلا أَن صَاحبه لَا يسْتَغْنى عَنِ التَّوْفِيق فِي كل وَقت. وَنَفس الْعقل بالتوفيق كَانَ، وَالْعقل مُحْتَاج فِي كل وَقت إِلَى توفيق جَدِيد، تفضلا من اللَّه تَعَالَى، وَلَو لم يكن كَذَلِك، لَكَانَ الْعُقَلَاء مستغنين عَنِ اللَّه بِالْعقلِ، فيرتفع عَنْهُم الْخَوْف والرجاء، ويصيرون آمِنين من الخذلان، وَهَذَا تجَاوز عَن دَرَجَة الْعُبُودِيَّة وتعد عَنْهَا، ومحال من الْأَمر، إِذ لَيْسَ من الْحِكْمَة أَن ينزل اللَّه أحدا غير مَنْزِلَته، فَإِذَا أغْنى عبيده عَن نَفسه فقد أنزلهم غير مَنْزِلَتهمْ، وَجَاوَزَ بهم حدودهم، وَلَو كَانَ هَذَا هَكَذَا لَا ستوى الْخلق والخالق فِي معنى من مَعَاني الربوبية، وَالله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء فِي جَمِيع الْمعَانِي.

1 / 346