بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي أبان معالم الْحق فأوضحها، وأنار مناهج الدّين فبينها، وَأنزل الْقُرْآن فصرف فِيهِ الْحجَج، وَأرْسل مُحَمَّد ﷺ َ - فَقطع بِهِ الْعذر، فَبلغ الرَّسُول وَبَالغ واجتهد وجاهد، وَبَين للْأمة السَّبِيل، وَشرع لَهُم الطَّرِيق لِئَلَّا يَقُولُوا: مَا جَاءَنَا من بشير وَلَا نَذِير، ولينذر من كَانَ حَيا ويحق الْحق على الْكَافرين، وَإِلَى الله أَرغب فِي حسن التَّوْفِيق لما يقرب إِلَيْهِ من صَوَاب القَوْل وَالْفِعْل، وأستعفيه من الْخَطَأ والزلل إِنَّه ولي الْعِصْمَة والتوفيق، وَبِيَدِهِ الْهِدَايَة والتسديد.
وَحين رَأَيْت قوام الْإِسْلَام بالتمسك بِالسنةِ، وَرَأَيْت الْبِدْعَة قد كثرت، والوقيعة فِي أهل السّنة قد فَشَتْ، وَرَأَيْت اتِّبَاع السّنة عِنْد قوم نقيضة،
1 / 93
والخوض فِي الْكَلَام دَرَجَة رفيعة، رَأَيْت أَن أملي كتابا فِي السّنة يعْتَمد عَلَيْهِ من قصد الِاتِّبَاع وجانب الابتداع، وَأبين فِيهِ اعْتِقَاد أَئِمَّة السّلف، وَأهل السّنة فِي الْأَمْصَار، والراسخين فِي الْعلم فِي الأقطار، ليلزم الْمَرْء اتِّبَاع الْأَئِمَّة الماضين، ويجانب طَريقَة المبتدعين، وَيكون من صالحي الْخلف لصالحي السّلف، (وسميته كتاب " الْحجَّة فِي بَيَان المحجة وَشرح التَّوْحِيد وَمذهب أهل السّنة) . أعاذنا الله من مُخَالفَة السّنة وَلُزُوم الابتداع، وَجَعَلنَا مِمَّن يلْزم طَرِيق الِاتِّبَاع وَصلى الله على مُحَمَّد أفضل صَلَاة وأزكاها وأطيبها وأنماها، وَأَحْيَانا على مِلَّته، وأماتنا على سنته، وحشرنا فِي زمرته، إِنَّه الْمُنعم الْوَهَّاب.
1 / 94
بَابٌ فِي التَّوْحِيدٍ
١ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنا وَالِدِي أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبُو مَسْعَودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ أَنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَمْرٍو نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَن رَسُول الله ﷺ َ - كَانَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ، أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يموتون ".
1 / 95
٢ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو أَنا وَالِدِي أَنا خَيْثَمَةُ بن سُلَيْمَان ثَنَا مُحَمَّد بن عَوْف ابْن سُفْيَانَ نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ أَن النَّبِي ﷺ َ - كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّكَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ".
٣ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو أَنا وَالِدِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحٍ وَغَيْرُهُ قَالا: نَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: " كنت جَالِسا مَعَ النَّبِي فِي الْمَسْجِدِ. إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيّ يَا قيوم، فَقَالَ رَسُول الله ﷺ َ - " لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ".
1 / 96
٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْحَافِظ نَا عبد الصَّمد ابْن نصر العاصمي أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْبُحَيْرِي نَا أَحْمد ابْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَا عَمِّي حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ َ - بَعَثَ رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صلَاتهم فيختم بقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لرَسُول الله ﷺ َ -، فَقَالَ: سَلَوهُ لأَيِّ شَيْءٍ
1 / 97
يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. قَالَ رَسُولُ الله ﷺ َ - أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ ".
٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ أَنا عَبْدُ الصَّمَدِ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَحِيرِيُّ نَا أَبُو حَفْصٍ الْبَحِيرِيُّ نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نَا وَكِيعٌ وَعَبْدُ الأَعْلَى وَأَبُو عَاصِمٍ قَالُوا: أَنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ أَن النَّبِي ﷺ َ - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: " إِنَّكَ تَأْتِي أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ
1 / 98
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ".
٦ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنا وَالِدِي، أَنا مُحَمَّد ابْن مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، نَا أَبُو سُفْيَان صَالح ابْن مِهْرَانَ، نَا النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ، نَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ﵁ " أَنَّ النَّبِي ﷺ َ - سَمِعَ رَجُلا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ (الَّذِي) لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُوْلَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كفوا أحد فَقَالَ
1 / 99
رَسُول الله ﷺ َ -: " لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ".
٧ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الصَّابُونِيُّ أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ َ - يَقُولُ: " مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ - وَفِي رِوَايَةِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ - وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ".
1 / 100
فَصْلٌ
[فِي الإِيمَانِ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ صِفَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ﵀:
" إِنَّ الأَخْبَارَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ ﷿ جَاءَتْ مُتَوَاتِرَةً عَن النَّبِي ﷺ َ - مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللَّهِ ﷿، فَنَقَلَهَا الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى عَصْرِنَا هَذَا عَلَى سَبِيلِ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالإِيمَانِ بِهِ، وَالتَّسْلِيمِ لِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي تَنْزِيلِهِ وَبَيَّنَهُ الرَّسُولُ عَنْ كِتَابِهِ مَعَ اجْتِنَابِ التَّأْوِيلِ وَالْجُحُودِ وَترك التَّمْثِيل
1 / 101
وَالتَّكْيِيفِ، وَأَنَّهُ ﷿ أَزَلِيٌّ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ الَّتِي وصف بهَا نَفسه وَوَصفه الرَّسُول ﷺ َ - غَيْر زَائِلَةٍ عَنْهُ وَلا كَائِنَة دُونَهُ، فَمَنْ جَحَدَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ كَانَ بِذَلِكَ جَاحِدًا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ كَانَتْ عَلَى أَيِّ مَعْنًى تَأَوَّلَهُ دَخَلَ فِي حُكْمِ التَّشْبِيهِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ مُحْدَثَةٌ فِي الْمَخْلُوقِ زَائِلَة بِفَنَائِهِ غَيْرَ بَاقِيَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ﷿ امْتَدَحَ نَفْسَهُ بِصِفَاتِهِ تَعَالَى، وَدَعَا
1 / 102
عباده إِلَى مدحه بذلك، وَصدق الْمُصْطَفى ﷺ َ -، وَبَيَّنَ مُرَادَ اللَّهِ فِيمَا أَظْهَرَ لِعِبَادِهِ مِنْ ذِكْرِ نَفْسِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ فَقَالَ، " كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفسه الرَّحْمَة ".
وَقَالَ النَّبِي ﷺ َ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفسِي "، وَقَالَ النَّبِي ﷺ َ - بَيَانًا لِقَوْلِهِ:
٩ - " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ، إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي ".
فَبَيَّنَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَبَيَّنَ أَنَّ نَفسهُ قَدِيمٌ غَيْر فَانٍ، وَأَنَّ ذَاتَهُ لَا يُوصَفُ إِلا بِمَا وَصَفَ، وَوَصفه النَّبِي ﷺ َ -، لِأَن المجاوز
1 / 103
وصفهما يُوجب الْمُمَاثلَة، والتمثيل والتشبيه لَا يكون إِلا بِالتَّحْقِيقِ، وَلا يَكُونُ بِاتِّفَاقِ الأَسْمَاءِ، وَإِنَّمَا وَافَقَ اسْمُ النَّفْسِ اسْمَ نَفْسِ الإِنْسَانِ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ نَفْسًا مَنْفُوسَةً، وَكَذَلِكَ سَائِرَ الأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّى بِهَا خَلْقَهُ، إِنَّمَا هِيَ مُسْتَعَارَةٌ لِخَلْقِهِ مَنَحَهَا عِبَادَهُ لِلْمَعْرِفَةِ فَمِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَمَنَحَ خَلْقَهُ الْكَلام، فَاللَّهُ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ كَلامًا أَزَلِيًّا غَيْرَ مُعَلَّمٍ وَلا مُنْقَطِعٍ، فَبِهِ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ، وَبِكَلامِهِ دَلَّ عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي لَا يَسْتَدْرِكُهَا مَخْلُوقٌ، وَلا يَبْلُغُهَا وَصْفُ وَاصِفٍ، وَالْعَبْدُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ مُحْدَثٍ مُعلمٍ مُخْتَلِفٍ، فَإِنَّ بفنَائِهِ وَوَصْفِ وَجْهِهِ، فَقَالَ: ﴿كُلُّ شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه﴾ فَأَخْبَرَ عَنْ فَنَاءِ وُجُوهِ الْمَخْلُوقِينَ وَبَقَاءِ وَجْهِهِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ فَقَالَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير﴾ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِيعٌ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ لِكُلِّ الأَصْوَاتِ بَصِيرٌ بِكُلِّ الأَشْيَاءِ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ، لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ، وَلا يَزَالُ كَذَلِكَ، وَوَصَفَ عِبَادَهُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ الْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ الْفَانِي بِفَنَائِهِ الَّذِي يَكِلُّ وَيَعْجِزُ عَنْ جَمِيعِ حَقِيقَةِ الْمَسْمُوعِ وَالْمُبْصَرِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَالرَّحْمَةِ، وَمَنَحَهَا عِبَادَهُ لِلْمَعْرِفَةِ عِنْدَ الْوُجُودِ فِيهِمْ وَالنَّكِرَة عِنْد
1 / 104
وُجُودِ الْمُضَادِ فِيهِمْ، فَجَعَلَ ضِدَّ الْعِلْمِ فِي خَلْقِهِ الْجَهْلَ وَضِدَّ الْقُدْرَةِ الْعَجْزَ، وَضِدَّ الرَّحْمَةِ الْقَسْوَةَ، فَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَلْقِ غَيْر جَائِزَةٍ عَلَى الْخَالِقِ، فَوَافَقَتِ الأَسْمَاءُ وَبَايَنَتِ الْمَعَانِي مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ لَمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِالْعِلْمِ غَيْرَ مُعَلَّمٍ بَاقٍ غَيْرَ فَانٍ، وَالْعَبْدُ مُضْطَرٌّ إِلَى أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا لَمْ يعلم، ثُمَّ يَنْسَى ثُمَّ يَمُوت وَيَذْهَبَ عِلْمُهُ وَاللَّهُ ﷿ مَوْصُوفٌ بِالْعِلْمِ بِجَمِيعِ الأَشْيَاءِ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ دَائِمًا بَاقِيًا، فَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلِيلٌ عَلَى جَمِيعِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي (لَمْ) نَذْكُرْهَا، وَإِنَّمَا يَنْفِي التَّمْثِيلُ وَالتَّشْبِيهُ النِّيَّةَ وَالْعِلْمَ بِمُبَايَنَةِ الصِّفَاتِ وَالْمَعَانِي وَالْفَرْق بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ فِيمَا يُؤَدِّي إِلَى التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالزَّيْغِ وَوُجُوب الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَأَخْبَرَ عَنهُ رَسُول الله ﷺ َ -، وَأَنَّ أَسَامِيَ الْخَلْقِ وَصِفَاتَهُمْ وَافَقَتْهَا فِي الاسْمِ (و) باينتها فِي جَمِيعِ الْمَعَانِي لِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَفَنَائِهِمْ، وَأَزَلِيَّةِ الْخَالِقِ وَبَقَائِهِ، وَبِمَا أَظْهَرَ مِنْ صِفَاتِهِ وَمَنَعَ اسْتِدْرَاكَ كَيْفِيَّتِهَا فَقَالَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير﴾ . وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا الْفَصْلَ لِئَّلا يَتَعَلَّقَ الضَّالُّونَ عَنِ الْهِدَايَةِ الزَّائِغُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَام رَسُوله
فَتَأَوَّلُوا الصِّفَاتَ وَالأَسْمَاءَ الَّتِي فِي كِتَابِهِ وَنَقَلَهَا الْخَلَفُ الصَّادِقُ عَنِ السَّلَفِ الطَّاهِرِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَن رَسُوله ﷺ َ - الَّذِينَ نَقَلُوًا دِينَ اللَّهِ وَأَحْكَامَهُ، وَبَلَّغُوا
1 / 105
جَمِيعَ أَمْر اللَّهِ الَّتِي أُمِرُوا بِإِبْلاغِهَا مِنَ الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَاجْتَنَبُوا وَعِيدَ اللَّهِ (تَعَالَى) فِي كِتَابِهِ قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكتاب أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ . فَبَلَّغُوا كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِمَّنْ يَتَّبِعُهُمْ بِإِحْسَانٍ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ ".
فَصْلُ
١٠ - أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنا وَالِدِي، أَنا أَحْمد ابْن عَمْرٍو أَبُو الطَّاهِرِ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُس ابْن يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِي ﷺ َ -
وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول الله ﷺ َ - قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ﷿ ".
1 / 106
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ فِي كِتَابِهِ وَغَيْرُهُ قَالا: أَنا أَبُو عبد الرَّحْمَن ابْن أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السّلمِيّ قَالَ: سَمِعت أَبَا نصر أَحْمد ابْن مُحَمَّد بْنَ حَامِدٍ الْجزي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قُلْتُ لأَبِي الْعَبَّاسِ ابْنِ سُرَيْجٍ مَا التَّوْحِيدُ؟ قَالَ: تَوْحِيدُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتَوْحِيدُ أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْخَوْضُ فِي الأَعْرَاضِ وَالأَجْسَامِ، وَإِنَّمَا بُعِثَ النَّبِي ﷺ َ - بِإِنْكَارِ ذَلِكَ
فَصْلٌ
فِي النَّهْيِ عَنْ طَلَبِ التَّكْيِيفِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ
١١ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنا وَالِدِي، أَنا مُحَمَّد ابْن الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا
1 / 107
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ َ -: " لَيَسْأَلَنَّكُمُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَسْأَلُوكُمْ، هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ".
١٢ - أَخْبَرَنَا وَالِدِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ﵀، أَنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمَرْوَزِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُف الْفربرِي، ثَنَا مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ رَسُول الله ﷺ َ -: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ، فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ". قَالَ (الشَّيْخُ) (الإِمَامُ ﵀ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ َ - بِالْكَفِّ وَالانْتِهَاءِ عَنِ الْمُحَاجَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي شَأْنِ الرَّبِّ ﷿ بِالْمَعْقُولِ وَاجْتِنَابِ مَا يُوَرِّثُ شُبْهَةً فِي الْقُلُوبِ وَالاسْتِعَاذَة بِاللَّهِ لِيَعْصِمَهُ فَلا يَتَسَلَّط الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ فَيُضِلّهُ.
1 / 108
فَصْلٌ
فِي تَرْكِ التَّفْكِيرِ فِي شَأْنِ الرَّبِّ ﷿
١٣ - أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ الصَّالْحَانِيُّ ﵀ أَنا جَدِّي أَبُو ذَرٍّ الصَّالْحَانِيُّ نَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، نَا يُوسُفُ بن يَعْقُوب النَّيْسَابُورِي بِبَغْدَاد، نَا أَحْمد ابْن عُثْمَانَ أَبُو الْجَوْزَاءِ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عبد الْوَارِث، نَا عبد الْجَلِيل ابْن عَطِيَّةَ الْقَيْسِيُّ، نَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ﵁ قَالَ: " خرج رَسُول الله ﷺ َ - عَلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فِي خلق الله فَقَالَ: " فيمَ تتفكرون؟ قَالَ: نَتَفَكَّرُ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ، قَالَ: فَلا تَتَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ، وَلَكِنْ تَفَكَّرُوا فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ "، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵁ عَن
١٤ - النَّبِي قَالَ: " تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ ".
فَصْلٌ
فِي الاجْتِنَابِ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ
١٥ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَغَيْرُهُ قَالا: أَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْن الْمَرْزُبَانِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ، نَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، نَا إِبْرَاهِيم
1 / 109
ابْن سعد عَن أيبه عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَت: قَالَ رَسُول الله ﷺ َ -: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ".
قَالَ الشَّيْخُ (الإِمَامُ) ﵀: " أَنْكَرَ السَّلَفُ الْكَلامَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالأَعْرَاضِ وَقَالُوا: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ الله عَن
1 / 110
الصَّحَابَةِ وَرَحِمَ التَّابِعِينَ، وَلا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ وَهُمْ عَالِمُونَ بِهِ فَيَسَعُنَا السُّكُوتُ عَمَّا سَكَتُوا عَنْهُ، أَوْ يَكُونُوَا سَكَتُوا عَنْهُ وَهُمْ غَيْرُ عَالِمِينَ بِهِ فَيَسَعُنَا أَنْ لَا نَعْلَمَ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ الآخِرُونُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ الأَوَّلُونَ يَكُونُ مَرْدُودًا.
قَالَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي مَاضِي الأَزْمَانِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا رَجَعَ إِلَى قَوْلِ خَصْمِهِ، وَلا انْتَقَلَ عَنْ مَذْهَبِهِ إِلَى مَذْهَبِ مُنَاظِرِهِ، فَدَلَّ أَنَّهُمُ اشْتَغَلُوا بِمَا تَرْكُهُ خَيْرٌ مِنَ الاشْتِغَالِ بِهِ، وَقَدْ ذَمَّ السَّلَفُ الْجِدَالَ فِي الدِّينِ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ وَهُمْ لَا يَذُمُّونَ مَا هُوَ الصَّوَاب.
أخبرنَا أَبُو عَليّ نصر الله بْنُ أَحْمَدَ الْخُشْنَامِيُّ بِنَيْسَابُورَ، أَنا أَبُو سَعِيدٍ
1 / 111
الصَّيْرَفِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ، نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْفَزَارِيِّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: وَقَدْ سُئِلَ أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ حَقًّا؟ فَقَالَ: إِنَّ الْمَسَأَلَةَ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ تَعَمُّقٌ لَمْ نُكَلَّفْهُ فِي دِينِنَا، وَلَمْ يُشَرِّعْهُ نَبِيُّنَا، لَيْسَ لِمَنْ سَأَلَ ذَلِكَ فِيهِ إِمَامٌ إِلا مِثْله الْقَوْل بِهِ جدل وَالْمُنَازَعَة فِيهِ حَدَث وَلَعمري مَا شَهَادَتُكَ لِنَفْسِكَ بِالَّتِي تُوجِبُ لَكَ تِلْكَ الْحَقِيقَةَ إِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَلا تَرْككَ الشَّهَادَةَ لِنَفْسِكَ بِهَا بِالَّذِي يُخْرِجُكَ مِنَ الإِيمَانِ إِنْ كُنْتَ كَذَلِكَ وَإِنَّ الَّذِي يَسْأَلُكَ عَنْ إِيمَانِكَ لَيْسَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ مِنْكَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُنَازِعَ اللَّهَ عِلْمَهُ فِي ذَلِكَ حِينَ يَزْعُمُ أَنَّ عِلْمَهُ وَعِلْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَاصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ وَقُلْ فِيمَا قَالُوا وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ يَسَعُكَ مَا وَسِعَهُمْ. لَقَدْ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ حَتَّى قَذَفَهَا إِلَيْهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي تِلْكَ الْبِدْعَةِ بَعْدَ مَا رَدَّهَا عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ وفقهاؤهم.
1 / 112