ويعتبر أمية أحسن الحنفاء حظا في بقاء الذكر، فقد بقي كثير من شعره وحفظ قسط لا بأس به من أخباره، وسبب ذلك عند «جواد علي» بقاؤه إلى ما بعد البعثة، واتصاله بتاريخ النبوة والإسلام اتصالا مباشرا، وملاءمة شعره بوجه عام لروح الإسلام، برغم أنه حضر البعثة ولم يسلم، ولم يرض بالدخول في الإسلام؛ لأنه كان يأمل أن تكون له النبوة، ويكون مختار الأمة وموحدها؛ ولذلك «برز كنموذج للاستقامة والإيمان والتطهر والزهد والتعبد»، وقد مات سنة تسع للهجرة بالطائف «كافرا بالأوثان وبالإسلام»!
48
ويذكر الإخباريون المسلمون أنه لما سمع بخبر البعثة ذهب ليسلم، لكن بعض أهل مكة علموا بمسيره، فأرادوا رده عن غايته، فالتقوه عند القليب حيث قبر المسلمون سادات قريش في بدر الكبرى، ولعلم القرشيين بحكمة أمية - التي دعته من قبل إلى تقدير السادات من حكماء مكة وأشرافها - فقد قالوا له: هل تدري ما في هذا القليب؟ قال: لا. فقالوا له: فيه شيبة وربيعة وفلان وفلان. فجدع أنف ناقته، وشق ثوبه وبكى قائلا: «لو كان نبيا ما قتل ذوي قرابته.» وعاد يرسل نواحه شعرا يرثي قتلى بدر من أهل مكة، في قصيدته الحائية التي يقول في بعضها:
ألا بكيت على الكرا
م بني الكرام أولي الممادح
كبكا الحمام على فرو
ع الأيك في الغصن الصوادح
إن قد تغير بطن مك
ة فهي موحشة الأباطح
من كل بطريق لبط
Unknown page