History of Literary Criticism Among the Arabs
تاريخ النقد الأدبي عند العرب
Publisher
دار الثقافة
Edition Number
الرابعة
Publication Year
١٩٨٣
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
كان الشعر في جملته يسير في طريق جديدة عبر عنها ابن وكيع حين أصر على أن الشاعر الحق إنما هو " مطرب لا يطالب بمعرفة الألحان "، وكانت الشقة بين أدب العامة وأدب الخاصة قد أخذت تتسع، وكانت الصلة بين الشاعر والراعي قد أصبحت ظلًا لا حقيقة، ولكن النقد لم يستطع أن ينفض عنه جموده العام. نعم ارتفعت هنا وهناك أصوات لتنصف شعر المتأخرين ولترى في الصورة الشعرية وحدها سر التفوق (ابن سعيد الأندلسي مثلًا) بل لتفضل هذا الشعر المرقص المطرب على شعر القدماء، ولكنها أضافت إلى جمود النقد بدلًا من ان تنعشه، لأنها تعلقت بظاهرة واحدة من ظواهر الشعر ونسيت ما عداها. ويكفي أن نذكر كيف ان ابن رشيق أعاد صياغة القضايا النقدية في العمدة بطريقة سهلة ميسرة جذابة، فإذا الكتاب يصبح حجر الزاوية في النقد الأدبي، في المشرق والمغرب على السواء، وكان الناس رأوا فيه كل ما يحتاجون إليه من آراء وتفسيرات، ولم تعد بهم حاجة إلى الاستقلال في التفسير والحكم. هل نقول إن النقد أصبح شيئا " مدرسيًا " ملتبسًا بالبلاغة؟ هل نقول إن الإحساس بالتطور وبالأزمة الناشئة عنه قد كاد ينعدم. (فيما خلا مثلين أو ثلاثة)؟ ذلك قد يكون صحيحًا، وإذا صح فربما كان هو العامل الذي أسلم النقد إلى " مسلمات " أشبه شيء بقواعد البلاغة.
في هذا السياق السابق بلغنا الدور الذي أصبح فيه الناقد القادر على الابتكار غير موجود، أو أصبح شخصية ثانوية لا قيمة لها في النشاط الأدبي (أو في الركود الأدبي أيضًا)؛ ولكنا قطعنا شوطًا طويلًا دون ان نتنبه إلى دور الناقد على مر الزمن، ولهذا كان لابد من ان نعود لنصور هذا الدور فنقول: كان الناقد موجودًا في كل مرحلة، لان ابسط العلاقات بين الإنسان والشعر تحمل في ثناياها حقيقة نقدية، فالنابغة في سوق عكاظ ناقد، وعمر بن الخطاب ﵁ في تفضيله زهيرًا ناقد، والرواة الذين ميزوا - بتعميم شديد - خصائص جرير والفرزدق والاخطل كانوا نقادًا
1 / 18