158

Tārīkh al-naqd al-adabī ʿinda l-ʿArab

تاريخ النقد الأدبي عند العرب

Publisher

دار الثقافة

Edition

الرابعة

Publication Year

١٩٨٣

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

فكيف توصل الآمدي إلى القول بأن صحة التأليف هي أقوى الدعائم بعد صحة المعنى؟ ومم يكون التأليف إذا لم يكن المعنى (الصورة) أحد ركنيه الكبيرين؟ وقد أدرك الآمدي أن العلة الفاعلة هي " تأليف الباري ﷻ لتلك الصورة " ثم نسي أن هذا التأليف هو الخلق - أو الصنع - حين تحدث عن الشاعر، ولو كان أدرك أبعاد هذا التمثيل لما تمسك بقوله إن ما خرج عن طريقة العرب فإنه غير مقبول، ذلك لأن " الخلق " أو " الصنع " يحتاج حرية لم يدركها الآمدي، وما نلومه لأنه لم يدركها. والحق أن الآمدي لو تعمق الثقافة الفلسفية لتنازل عن أشياء كثير من قواعده، ولكنه كان فيما قد يدل عليه كتابه سطحيًا في هذه الناحية.
الذوق الخاص والأحكام التأثرية، ومعاداة العمق في المعنى
ولا نستبعد أن يكون الآمدي قد درس علم الكلام، غير أنه لم يتأثر به في النقد إلا تأثرًا شكليًا. كما رأينا في صياغته للمقدمة على شكل حوار كلامي جدلي بين صاحب أبي تمام وصاحب البحتري، وكما نرى في سائر كتابه من قوة عارضته في الجدل، وقدرته على المماحكة. وقد كان ذا قدرة على التأويل والتخريج، اتضحت في معالجته لقراءة الشعر واستنباط الوجوه المحتملة فيه، ولكنه إذا تعدى هذه القراءة الدقيقة نبا ذوقه عن ضروب العمق، وخاصة إذا كان عمقًا معنويًا، وسمى ما يجيء به أبو تمام أحيانًا " فلسفة " هربًا من تسميته بالشعر، وهو مخلص في هذا لذوقه، يكاد لا يحيد عنه، ولذلك يمكن أن نقول إن نقده يحمل سمات " أهل الظاهر "، فهو لا يستطيع أن يتقبل ذوقيًا إلا المعنى القريب الذي يسلم للقارئ نفسه في صياغة جميلة إسلامًا مباشرًا، دون إعمال خيال أو إجهاد فكر، ولا يجد لذة في التعمية والإنبهام وما يمكن أن يجيء في شكل أحجية.

1 / 172