Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
صلى الله عليه وسلم
في جزيرة العرب، وتاريخ ما لقيه من قومه معلوم معروف، فمن الاحتقار والسب إلى الاضطهاد والإهانة حتى شرع أحدهم في خنقه وهو يصلي، وكانوا يلقون عليه الأحجار في الطريق، وحاولوا استغواءه بكل الوسائل بالمال والملك والسيادة المطلقة ثم تآمروا على قتله. ولما هاجر إلى المدينة في نفس اليوم الذي عينوه لاغتياله في فراشه، اقتفوا أثره في حملات منظمة كأنه مجرم فار من وجه العدل.
ولما بعد عنهم وصار في مأمن، شنوا عليه الغارات وحاربوه، وبلغ الجيش الذي حشدوه للقضاء عليه في موقعة الخندق الشهيرة عشرة آلاف جندي! تصور أن أهل مكة يستطيعون في القرن السابع للمسيح أن يجندوا جيشا قوامه عشرة آلاف جندي بين راجل وراكب وهجان، وقديما حشدوا له جيشا فيه الفيلة العظام. ولو لم يكن سلمان الفارسي مشيرا للجيش المحمدي، وهو الذي ابتكر فكرة حفر الخنادق حول المدينة، فلا يعلم النتيجة إلا الله، جيش من عشرة آلاف جندي على رأسه جميع عظماء مكة وأبطالها وفرسانها وساستها ودهاتها ضد النبي وعصبته القليلة العدد.
ولماذا هذا العداء كله؟
لأن النبي كان يحب الخير لقومه وللإنسانية، فأخرجهم من دياجير الهمجية والجاهلية والوثنية، وجعل شعبهم أعظم شعب في العالم، وجلب لهم الغنى والمال والجاه والعزة. والأعجب من هذا أن معظم الزعماء الذين كانوا في هذا الجيش قد استفادوا من الإسلام بعد أن دخلوا فيه مرغمين أو راغبين، وصاروا خلفاء وأئمة وأمراء وقوادا وزعماء وولاة وقضاة في جميع أنحاء العالم، وكانوا حملة المدنية العربية التي أضاءت سواد الدنيا القديمة.
لقد قصرت بحثي في الزعامة الدينية على الزعماء الذين لا يوجد شك في زعامتهم، لأنهم جاءوا برسالة ربانية، أي إنهم مؤيدون من الله بأمور فوق الطبيعة، فما بالك بالزعماء الدينيين الذين انتدبوا أنفسهم للإصلاح الديني بغير رسالة منزلة؟ هؤلاء يدخلون في حظيرة التاريخ، ويرد ذكرهم في كتابنا عرضا ونكتفي بمن ذكرنا.
انظر إلى الزعيم الاجتماعي وهو رجل الإصلاح:
إن عمله في الدرجة الثانية بالنسبة لأعمال النبوة.
وعمله يتناول حياة الأمة بحذافيرها.
ليس في الشرق الإسلامي مصلحون اجتماعيون كثيرون، بل لعلهم يعدون على الأصابع، لأن الاجتماع في الشرق يدخل عادة في الدين.
Unknown page