Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
وكان السيد المسيح ينظر إلى بعضهم، فيقول له: اتبعني. فيتبعه ولا يظهر عليه أنه أفضل من غيره بمزية عقلية أو نفسية إلا أن تكون المزية التي يتوسمها فيه السيد فيدعوه من أجلها، وهي مزية الإصغاء والاتباع.
ولم يبد منهم أنهم أقدر على فهمه من الآخرين، فلو أصابت القرعة اثني عشر آخرين لكانوا في مثل قدرتهم على التعلم واستعدادهم للقبول؛ لأن كفاءتهم - ولا شك - هي الكفاءة الوسطى في كل طائفة بهذا العدد، ومن هذه البيئة، فلم يكن منهم علم بارز لا يتكرر بهذه النسبة في أية جماعة يقع عليها النظر للوهلة الأولى، فلا يقال في واحد منهم إنه واحد من مائة أو واحد من ألف لا يتكرر، أو أن واحدا منهم تعلم ما لا يتعلمه أمثاله لو حضروا كما حضر على معلمهم القدير، بل كل ما يقال إنه مجند يشبه غيره من المجندين، والفضل للقائد بعد ذلك فيما ظفر به من التدريب والتهذيب.
وقد وقع عليهم الاختيار كما جاء في الأناجيل.
ولكن لا يبدو من ذلك الاختيار أنه كان اختيارا نادرا أو مستعصيا على القائد الحكيم الحصيف، ولعل العامل الأكبر فيه أنهم مختارون من طائفة متعارفة متآلفة، وأن اجتماعهم هكذا خير وأصلح من اجتماعهم بددا من بيئات متباعدة، فإن المتآلفين أولى بمصاحبة بعضهم بعضا من المتباعدين.
ونحسب أن التشبيه بالتجنيد هنا خليق أن يقرب إلى الأذهان هذا المعنى الذي نرى له المكان الأول في فهم الدعوة وأسباب سريانها.
فالمجندون يقترعون، وكلهم متماثلون في شروط التجنيد، ولكنهم مع هذا يعرضون على القائد فيعزل منهم فئة متجانسة فيما يراه، وكل الفئات الأخرى تضارعها على الجملة في شروط التجنيد.
لم يكونوا طينة من البشر غير طينة السواد لولا تلك النفحة العلوية التي نفثتها فيهم روح المعلم القدير.
كان يعرف عيوبهم، وكانوا في أمانتهم وإخلاصهم لا يغالطون أنفسهم في تلك العيوب.
كان يخاطبهم فلا يفهمونه، فيسألونه مزيدا من التوضيح، وكان يخامرهم الشك فيحسه منهم فلا ينكرونه، وربما فاتحوه بالشك ابتداء وسألوه أن يزيدهم إيمانا، فيزيدهم ويعلمهم كيف يتقون أمثال هذه الشكوك.
ولم يحسب قط أنهم طود لا يتزعزع، وأنهم عزيمة لا تتضعضع، وأنهم يواجهون المحنة في كل حال، ولا يدركهم ضعف النفس يوما أمام هول من الأهوال.
Unknown page