Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
ويلزم في شريعة الحب من ينهى ذلك الجمع المنافق، ويكشف له رياءه، ويرده إلى الحياء، وقد ارتد إلى الحياء حين استمع السيد يناديه: «من لم يخطئ منكم فليرمها بحجر ...»
ويلزم في شريعة الرياء والكبرياء أن يفخر المصلي بصلاته، وأن يعلن الصائم عن صيامه، ويتخذه زيا ينم عليه بعبوسه وضجره، ويلزم في شريعة الحب من ينهى الناس عن صلاة الرياء وصيام الرياء؛ لأنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع، وفي زوايا الشوارع، «ومتى صمتم أنتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيرون وجوههم؛ ليظهروا للناس صيامهم، فقد استوفوا أجرهم فلا أجر لهم، وأما أنتم فمتى صمتم فادهنوا رءوسكم، واغسلوا وجوهكم، لا يظهر صيامكم للناس، بل لأبيكم المطلع في الصدور.»
يلزم في شريعة الرياء والكبرياء أن يفخر المعطي بالعطاء، وأن يستطيل به على الفقراء، وأن يصوت قدامه بالأبواق، ويعلن صدقته في الطرقات والأسواق، ويلزم في شريعة الحب أن تسر أعمال المحسنين، فلا تعلم الشمال ما تفعل اليمين.
في شريعة الكبرياء يتقي المتكبر تقواه ليتكبر بها على المذنبين، ويلوم المرشد المصلح لأنه يجلس مع العشارين والخطاة، وفي شريعة الحب والضمير يقال للمترفعين بتقواهم ما ينبغي أن يقال لهم: إنما يحتاج المرضى إلى الطبيب، وإنما يكون الحب على قدر الغفران.
وقد بلغت فتنة «الظواهر والأشكال» غايتها، وطغت من الهيكل إلى البيت، ومن المكتب إلى السوق، ومن المنبر إلى المائدة، حتى لقمة الطعام أصبحت لا تحل أو تحرم إلا بمقدار ما يتلى عليها من الأوراد والعزائم، وما تحاط به من الشعائر والمراسم، وما يرسمه الكهان من أحكام الذبائح والولائم، فبحق يصطدم هنا عالم الظواهر وعالم الضمير، وبحق يقال للمتطهرين بغسل الأيدي والتلاوة على لقم الطعام وصحاف المائدة: «إن ما يدخل الفم لا يدنس الضمير، وإن الدنس إنما يخرج من القلب الذي فيه الشر والزور والفسوق والكفران.» •••
ومجمل القول أن الخير كله كان في حكم شريعة الظواهر والأشكال، شريعة الكبرياء والرياء، مسألة «امتياز رسمي» يحتكره أصحابه بفضل السلالة والعنصر، ويرجع الأمر فيه إلى الموروثات والمأثورات.
فالفضل بين الأمم «امتياز رسمي» محتكر لإسرائيل؛ لأنهم أبناء إبراهيم، والفضل بين الإسرائيليين «امتياز رسمي» محتكر لأبناء هارون وأبناء لاوي أصحاب الكهانة بحق النسب والميراث، والفضل في الدين والعلم حرفة يحتكرها الكتبة والناموسيون، أو فقهاء ذلك الزمان، بل كادت محبة الله لشعبه المختار أن تكون «وثيقة في صك مرسوم» تضمن الإيثار لذلك الشعب، وإن هبطت به أعماله دون سائر الشعوب، «فلا لأنكم أكثر الشعوب لازمكم الرب واختاركم، فإنكم أقل من سائر الشعوب، بل هي محبته وحفظه القسم الذي عاهد عليه آباءكم.»
فلما قامت الدعوة المسيحية بشريعة الحب والضمير، كانت كلمتها هي الكلمة التي تقال في كل ما ادعوه، وما استأثروا به واحتكروه.
ليس الخير حكرا للنسب والسلالة «بل الذي يعمل بمشيئة الله هو أخي وأختي وأمي»، «إن كثيرين يأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب على أرائك الملكوت، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة بالعراء.»
وإنما الرحمة عمل، لا نسبة ولا حرفة. وضرب لهم مثلا: «إنسانا خرج عليه اللصوص في الطريق فسلبوه وضربوه وتركوه بين الحياة والموت، وعبر به كاهن فأهمله ومضى في طريقه، وجاء لاوي فمضى ولم يلتفت إليه ... ولكن سامريا رآه فأشفق عليه وضمد جراحه، وأركبه على دابته، وأتى به إلى فندق، وأولاه عنايته، ثم أخرج لصاحب الفندق عند سفره دينارين؛ لينفقها عليه، ويعنى به، ومهما ينفق عليه فهو موفيه عند مرجعه ...» قال السيد المسيح لتلاميذه وقد ضرب لهم هذا المثل: «أي هؤلاء الثلاثة أقرب إلى ذلك الصريع الجريح؟» والجواب الذي لا خلاف عليه بداهة أن السامري المنبوذ أقرب إليه من أبناء هارون ومن اللاويين المصطفين!
Unknown page