Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
فإن روايات الأناجيل تطابق التطور المعقول من بداية الدعوة إلى نهايتها، ومن التطور المعقول أن تبتدئ الدعوة قومية عنصرية، ثم تنتهي إنسانية عالمية، وأن تبتدئ في تحفظ ومحافظة، ثم تنتهي إلى الشدة والمخالفة، وأن تبتدئ بقليل من الثقة في شخصية الداعي، ثم تنتهي بالثقة التي لا حد لها في نفوس الأتباع والأشياع، وهكذا كانت الدعوة المسيحية كما روتها الأناجيل دون أن يتعمد كتابها تطبيق أحوال التطور، أو تلتفت أذهانهم إلى معنى تلك الأحوال.
وربما كان أوضح من هذا في الإبانة عن شخصية الداعي أن أقواله تتضمن نقدا لجميع المذاهب التي كانت شائعة في عصره، وأن هذه الأقوال تشير إلى وجهة نظر واحدة لم يكن لها وجود في غير تلك الشخصية.
فالأقوال المسيحية تنتقد الفريسيين، ولكنها لا تصدر في نقدهم عن وجهة نظر الصدوقيين أو السامريين.
وتنتقد أصحاب النصوص، ولكنها لا تصدر في نقدهم عن وجهة نظر الإباحيين والمتحللين.
وتنتقد الآسين المتعصبين، ولكنها لا تدين بآراء الفلاسفة أو الأبيقوريين والرواقيين.
وتنتقد السامريين، ولكنها لا ترفض السامرية بتاتا ولا ترفض غيرها من النحل كل الرفض من جانب محدود.
وتستشهد بأقوال موسى وإبراهيم والأنبياء، ولكنها لا تتقيد بكل قول منها تقيد المحاكاة، ولا تقتدي بها اقتداء التابع للمتبوع.
وإذا جمعنا وجوه النقد جملة واحدة أمكن أن نردها كلها إلى وجهة نظر متناسقة، وقوام شخصي مرسوم، وقد يقع فيها الاستثناء حيث ينبغي أن يقع؛ لأن التناسق الذي يجري مجرى الأعمال الآلية وتيرة واحدة لا يوافق طبيعة الدعوات الحية المتقدمة، ولا سيما الدعوات في عصر الهدم والبناء والمراجعة والتثبيت.
هذه علامات «موضوعية» لها شأنها الأكبر في الإبانة عن شخصية السيد المسيح، وأصدق تلك العلامات، بعد هذا كله أن الدعوة جاءت في إبانها وفاقا لمطالب زمانها، بحيث تكون الغرابة أن يخلو الزمن من رسول يقول بالدعوة ويصلح لأمانتها، لا أن يوجد الرسول ونستغرب أن يكون، ولو أن مؤلفا بعد ذلك العصر أراد أن يخلق رسولا يوافق رسالته المنشودة، لوقف به الخيال دون ذلك التوفيق المطبوع.
صورة وصفية
Unknown page