Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
وقد نشأ الرواقيون الأول ماديين يؤمنون بأن الوجود كله أصل واحد، ولكنهم تدرجوا في الروحانية، وانتهى خلفاؤهم في عصر الميلاد وما بعده إلى الإيمان بحرية الروح في مواجهة المادة، فالإله الأكبر «زيوس» لا يستطيع أن يجعل الجسد حرا من قيود المادة، ولكنه يعطينا قبسا من روحه الإلهية نصبح بنعمته إخوانا، لا يفرق بينهم وطن ولا جنس ولا لغة، وأينما يكونوا فهم مع الله، لا حاجة بهم إلى هيكل أو معبد، فإنما القداسة في النفس التي تعبد، وليست القداسة في مكان للعبادة يصنعه البناء والحداد، ومن صلواتهم الصلاة المشهورة التي أثرت عن زعيمهم كليانتس قبل الميلاد (310-330) حيث يناجي زيوس قائلا: «اهدني يا زيوس. أيها القدر، خذ بيدي إلى حيث أردت أن ترسلني، خذ بيدي أتبعك غير ناكص ولا وجل، فإن خامرني للريب فأحجمت وتريثت فمن اتباعك لا مهرب لي ولا نجاة.»
ويتبع الرواقي طريق القدر؛ لأنه هو الخير وليس هو الضرورة وكفى، فإن الإله الأكبر لا يريد شرا ولا يخلقه، وما هذه الشرور التي في الدنيا إلا نقائض محتومة يستلزمها وجود الخير، ولا يعقل الخير بغيرها، فلا محل للراحة بغير التعب، ولا محل للشبع بغير الجوع، ولا محل للرحمة بغير القسوة، وإذا كانت القسوة رذيلة فالرحمة التي تسلم النفس للحزن والغم ليست بالفضيلة الإلهية، وإنما تكون الرحمة فضيلة إذا تبصرت كما يتبصر الإله في قضائه، فتنكر القسوة، ولا تخضع للحزن والغم بغير حيلة، فإن الحكيم يحمل في حكمته ترياق كل سم، ودواء كل بلاء.
وقد أخذ الرواقيون من الهند - بسبيل فيثاغوراس على ما يظهر - أن العالم ينقضي ويعود في دورات أبدية لا تعرف لها نهاية، واعتقد بعضهم أن أراوح الحكماء تبقى في كل دورة إلى نهايتها، ثم يشملها ما يشمل العالم كله من حريق النار الأبدية، وهي النار التي تطهر جميع الموجودات لتخلص من أوشابها، ثم تعود دواليك في وجود بعد وجود، وعالم بعد عالم، وقيامة بعد قيامة.
والمدرسة الرواقية بأسرها مدينة للأئمة الشرقيين، ولا سيما القطبين الكبيرين في هذه المدرسة زينون (340-270 قبل الميلاد) وبوزيدون (135-51 قبل الميلاد)، فهم جميعا من الفينيقيين أو من اليونان الذين استشرقوا وأقاموا منذ زمن في البلاد الشرقية، وخلاصة مذهب الإمام الرواقي الأكبر - زينون - كما لخصناه في كتابنا عن الله «إن الإله جوهر ذو مادة»
Soma ، وأن الكون كله هو قوام جوهر الإله، وأن الإله يتخلل أجزاء الكون كما يتخلل العسل قرص الخلايا، وأن الناموس
Nomos - وهو بعبارة أخرى مرادف للعقل الحق
Orthos Logas
أو الكلمة الحقة - هو والإله زيوس شيء واحد يقوم على تصريف مقادير الكون، وكان زينون يرى للكواكب والأيام صفة إلهية، ويعتقد - كما أسلفنا - أن الفلك ينتهي بالحريق، وتستكن في ناره جميع خصائص الموجودات المقبلة وأسبابها ومقاديرها، فتعود كرة بعد كرة بفعل العقل وتقديره، ويشملها قضاء مبرم وقانون محكم؛ كأنها مدينة يسهر عليها حراس الشريعة والنظام، ويترادف عنده معنى الله والعقل والقدر وزيوس، فكلها وما شابهها من الأسماء تدل على موجود واحد، وقد كان هذا الموجود الواحد منفردا لا شريك له، فشاء أن يخلق الدنيا، فأصبح هواء وأصبح الهواء ماء، وجرت في الماء مادة الخلق
Sparmatikos Logos
كما تجري مادة التوليد في الأحياء، فبرزت منها مبادئ الأشياء وهي: النار، والماء، والهواء، والتراب، ثم برزت الأشياء كلها من هذه المبادئ على التدريج، وتعريف القدر عند زينون أنه القوة التي تحرك الهيولى، وهي قوة عاقلة؛ لأن ما يتصف بالعقل أعظم مما يتجرد منه، ولا شيء أعظم من الكون
Unknown page