Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
وولد السيد المسيح ووظائف الهيكل على أشهر الروايات مصفاة في المجمع المقدس الذي يطلق عليه اسم «السنهدرين»، وعدة أعضائه واحد وسبعون عضوا، منهم ثلاثة وعشرون يتألف منهم المجلس المخصوص، وتغلب عليهم الصبغة الرسمية التقليدية، ويتصل أعضاؤه برجال الدولة في الشئون العامة، وما يرجع منها إلى تنفيذ الأحكام، والمحافظة على الشريعة المحلية أو الشريعة الموسوية.
وعلى حسب المألوف يحاول أصحاب المناصب في «السنهدرين» أن يرجعوا بأصله إلى أقدم العهود، وكانوا يزعمون أنه هو المجلس الذي ورد ذكره في سفر العدد إذ يقول: «فقال الرب لموسى: اجمع إلي سبعين رجلا من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه، وأقبل بهم إلى خيمة الاجتماع، فيقفوا هناك معك، فأنزل أنا وأتكلم معك، وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم؛ فيحملون معك ثقل الشعب فلا تحمله أنت وحدك.»
غير أن المراجع التاريخية، ومراجع الكتب الدينية نفسها تخلو من ذكر السنهدرين، إلا إشارة عابرة هنا وهناك لا يستفاد منها تقدير عدده، ولا تفصيل حقوقه ووظائفه، ومما لا ريب فيه أن المجلس الذي كان في عهد السيد المسيح قد سلب حق الحكم في الجرائم الكبرى قبل هدم الهيكل الثاني بنحو أربعين سنة، وكانت أحكامه الكبرى في أيام المسيح معلقة على إقرار الحاكم الروماني يبرمها أو ينقضها حين يشاء.
وإذا نظرنا إلى موقف هذه الهيئة من بشرى «المسيح المنتظر» لم نكد نرى فيها باعثا إلى الترحيب بتلك البشرى؛ لأنها تتضمن الحكم بفساد الزمن كله، واليأس من صلاحه، واتهام القائمين على شئون الدين بين أهله، ولكنها مع هذا لا تستطيع أن تتنكر لهذه الدعوة؛ لأنها هي باب الأمل الوحيد في وجه المؤمنين والمترقبين، فهي في موقف الخائف من رجاء الشعب كله أن يتحقق على غير يديه، أو موقف من يتأهب للبطش بالدعوة على قدر الإقبال عليها، ومخايل الأمل في شيوعها وانتشارها، وهي إذا انتشرت لم يكن انتشارها في مثل ذلك العهد مقصورا على الدهماء دون غيرهم؛ لأن الفقهاء والعلماء والمتعلمين كانوا من الفريق الذي يستريب بالكهان، ولا يأتي أن يصدق فيهم أنهم كهان فاسدون مفسدون؛ لأنهم آخر الزمان الذين تدركهم صيحة النذير، وينصب لهم ميزان الحساب.
ولا يستوفى الكلام على القوى الدينية التي كان لها عمل محسوس في موطن السيد المسيح، فقبل ميلاده - عليه السلام - بغير الإشارة إلى طائفة النذريين أو المنذورين الذين وهبوا أنفسهم أو وهبهم أهلوهم لحياة القداسة وخدمة الله والتبشير باليوم الموعود؛ يوم الخلاص من الظلم والجور والتطهر من الذنوب.
ولم يكن هؤلاء النذريون طائفة تجمعها الوحدة التي تجمع بين أصحاب النحل والمراسم الاجتماعية، ولكنهم كانوا آحادا متفرقين ينذر كل منهم نفسه، أو ينذره أهله على حدة، ولا ينتسبون إلى جماعة واحدة غير جماعة الأمة بأسرها.
والكلمة باللغة العربية ترجع إلى مادة تفيد معنى التجنيد، واستعيرت على ما يظهر للجهاد في سبيل الدين، يقال نذر الجيش الرجل؛ جعله نذيره؛ أي طليعه، وربما كان من عمله أن ينذر قومه بالعدو، ويبعدهم عن المخاطر والمفاجآت، ولا شك أن المادة تدور حول هذا المعنى في العبرية مع اختلاف الحروف والأوزان.
ولا يشترط في النذري أو المنذور أن يهجر العالم، ويعتزل الناس في الصوامع، ولكنه يراض على حياة التنطس، فلا يجوز له شرب الخمر، ولا أن يدنس جسده بملامسة الموتى أو الأجسام المحرمة، وعليه أن يرسل شعره، ولا يحلقه قبل وفاء نذره إن كان منذورا لأجل مسمى، وقد ينذر الطفل قبل مولده، ويمتد نذره طول حياته، ويقال عن المنذور إنه بمثابة النبي في سن الفتوة، قال النبي عاموس بلسان يهوا إله بني إسرائيل: وأقمت من بينكم أنبياء، ومن فتيانكم نذيرين، لكنكم سقيتم النذيرين خمرا، وأوصيتم الأنبياء أن يدعوا النبوءة. والنبوءة هنا بمعنى الإنذار بما سيكون.
وقد تكاثر النذيرون قبيل مولد المسيح؛ لأنه وافق نهاية الألف الرابعة من بدء الخليقة على حساب التقويم العبري، وهو الموعد الذي كان منتظرا لبعثة المسيح الموعود؛ لأنهم كانوا ينتظرونه على رأس كل ألف سنة، ومنهم من كان يقول إن اليوم الإلهي كألف سنة كما جاء في المزامير، وإن عمر الدنيا أسبوع إلهي، تنقضي ستة أيام منه في العناء والشقاء، ويأتي اليوم السابع بعد ذلك كما يأتي يوم السبت للراحة والسكينة، فيدون ألف سنة كاملة، هي فترة الخير والسلام قبل فناء العالم، ولا يزال الغربيون يعرفونها باسم الألفية
Mellinnium
Unknown page