Hayat Masih
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
وغيرهما من الآيات القرآنية التي تناولت حياة عيسى ابن مريم - عليه السلام. •••
وبعد فهذا الكتاب مقصور على غرض واحد؟ وهو جلاء العبقرية المسيحية في صورة عصرية، نفهمها الآن كما نفهم العبقريات على أقدارها وأسرارها، وقد قل فيها نظير هذه العبقرية العالية في تواريخ الأزمان قاطبة، ولا يزال هذا الغرض المجيد متسعا للتوفية والتجلية من نواح عدة، فإن كتب لنا أن نوفق لزيادة شيء إلى هذه الذخيرة القدسية، فذلك حسبنا وكفى، ولا حاجة بنا في هذه الصفحات إلى إثارة الجدل في مسائل لا ترتبط بالمقصد الذي قصدناه، وقصرنا الرسالة عليه.
ولا نستطيع كما أسلفنا أن نقرر على وجه التحقيق من الناحية التاريخية كيف كانت نهاية السيرة المسيحية، ولكننا نستطيع أن نقرر على وجه التحقيق أنها انتهت في موعدها حيث أسلمها التاريخ إلينا، فقد كان ذلك الجيل آخر جيل قدمت فيه دولة العصبية الدينية التي تحتكر هداية الله ورحمته لسلالة واحدة من أبناء آدم وحواء، وأول جيل عمت فيه الدعوة إلى هداية إلهية تحيط بكل من يهتدي من بني الإنسان، فلم تنقض أربعون سنة حتى تداعت ديانة الأثرة العصبية، وتداعى الهيكل الذي اعتصمت به وتجددت فيه، ثم قامت للضمير الإنساني دعوة حية تبسط نورها كما ينبسط نور الشمس لكل ناظر وكل متطلع، ولحكمة ما ألهم داعيها أن يتسمى كلما تكلم عن نفسه بابن الإنسان.
في الختام
لو عاد المسيح
في إحدى روايات الكاتب الروسي العظيم «دستيفسكي» بطل من أبطال الرواية يتخيل أن السيد المسيح عاد إلى الأرض في طوفة عابرة، ونزل بإشبيلية في إبان سطوة «التفتيش» فوعظ الناس، وصنع المعجزات، وأقبل عليه الضعاف والمرضى والمحزونون يلثمون قدميه، ويسألونه العون والرحمة.
وإنه ليمضي بين الشعب يضفي عليهم حبه وحنانه، ويبسطون له شكاياتهم ومخاوفهم، إذا برئيس ديوان التفتيش - المفتش الأعظم - يعبر بالمكان، ويتأمل السيد والشعب من حوله هنيهة، ثم يشير إلى الحراس ويأمرهم أن يعتقلوه، ويودعوه حجر السجناء في انتظار التحقيق.
ويأتي المساء فيذهب المفتش الأعظم إلى الحجرة ويقول للرسول الكريم: إنني أعرفك ولا أجهلك، ولهذا حبستك، لماذا جئت إلى هنا؟ لماذا تعوقنا، وتلقي العثرات والعقبات في سبيلنا؟
ثم يقول له فيما يقول: إنك كلفت الناس ما ليست لهم به طاقة؛ كلفتهم حرية الضمير، كلفتهم مؤنة التمييز، كلفتهم أن يعرفوا الخير والشر لأنفسهم، كلفتهم أوعر المسالك فلم يطيقوا ما كلفتهم وشقيت مساعيهم بما طلبت منهم ... والآن وقد عرفنا نحن داءهم، وأعفيناهم من ذلك التكليف، وأعدناهم إلى الشرائع والشعائر، تعود إلينا لتأخذ علينا سبيلنا، وتحدثهم من جديد بحديث الاختيار وحرية الضمير؟
ليس أثقل على الإنسان من حمل الحرية، وليس أسعد منه حين يخف عنه محملها، وينقاد طائعا لمن يسلبه الحرية ويوهمه في الوقت نفسه أنه قد أطلقها له، وفوض إليه الأمر في اعتقاده وعمله، فلماذا تسوم الإنسان من جديد أن يفتح عينيه، وأن يتطلع إلى المعرفة، وأن يختار لنفسه ما يشاء، وهو لا يعلم ما يشاء؟
Unknown page