Ḥāshiyat al-Sindī ʿalā Ṣaḥīḥ al-Bukhārī
حاشية السندي على صحيح البخاري
Genres
338 قلت : فما بال الصديق ما أعطاها تكرما وإحسانا مع أنه كان هو اللائق بما كان بينهم من المحبة. قلت : قد ذكر أبو بكر أن مقصوده أن يفعل في المال ما فعل فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأن يضعه في المواضع التي وضعه صلى الله تعالى عليه وسلم فيها ورأى أن ذلك أهم بل خاف الضلال على تركه إن ترك ، ومعلوم أن المال ما كان لأبي بكر حتى يفعل فيه ما يريد فهل يلام الرجل على فعل فعله اقتداء ب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. فإن قلت : كيف يصح لأبي بكر رضي الله تعالى عنه منع الإعطاء بعد أن ظهر تأذيها بالمنع ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم من آذى فاطمة فقد آذاني قلت معلوم أنه لا يمكن القول بتأذيها بمنع الإعطاء على وجه الارث بعد ما سمعت حديث لا نورث ، وإنما كان تأذيها لو سلم بمنع الإعطاء تكرما ، وقد علمت أن الصديق رضي الله تعالى عنه ترك الإعطاء بذلك الوجه لمصلحة أهم عنده على أنه يمكن أن الإعطاء بذلك الوجه لم يخطر ببال الصديق بناء على أنه ما سبق منها الطلب بذلك الوجه ، وإنما سبق منها الطلب بوجه الارث فلم يصدر من الصديق ما يوجب تأذيها قصدا ، وإنما حصل ذلك بلا مدخل للاختيار ، ومثل ذلك لا يعد من الإيذاء ، ولو فرض شمول مدلول لفظ الإيذاء لمثله لغة لكان في حكم المستثنى في الحديث معنى ، وقد صدر مثله عن علي مع فاطمة رضي الله تعالى عنهما كما هو مشهور في واقعة حديث قم أبا تراب ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده مع أن الأمر بالمعروف ، وإقامة الحدود على المسلمين واجب ، ولا يعد ما يحصل بسببه إيذاء أصلا بل إصلاحا فكم من أمر مستكره لشخص لا يعد إيذاء ولا يكون في حكمه مما هو من هذا القبيل أو قريب منه فتأمل. والله تعالى أعلم.
Page 78