Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genres
وعبد الرحمن بدوي هو المفكر الوحيد في الفكر العربي المعاصر الذي وصف نفسه بأنه فيلسوف وعرف اتجاهه الفكري بأنه «الفلسفة الوجودية في الاتجاه الذي بدأه هيدجر.» وقد أسهم في تكوين الوجودية بكتابه «الزمان الوجودي»، وتمتاز وجوديته - على حد قوله - من وجودية هيدجر وغيره من الوجوديين بالنزعة الديناميكية التي تجعل للفعل الأولوية على الفكر، وتستند في استخلاصها لمعاني الوجود إلى العقل والعاطفة والإرادة معا، وإلى التجربة الحية، وهذه بدورها تعتمد على ملكة الوجدان بوصفها أقدر ملكات الإدراك على فهم الوجود الحي.
73
وعلى الرغم من أن عبد الرحمن بدوي زعم أنه وضع الخطوط العامة لمذهب جديد في الوجود، ووعد بأنه سيجعل مهمته في الحياة تفصيل أجزائه،
74
إلا أنه لم يكمل محاولته فقط، بل وانصرف عنها أيضا انصرافا تاما. ويعزو بعض المفكرين توقف المشروع الوجودي عند بدوي إلى تغير الأوضاع السياسية والاجتماعية والموضوعية من حوله، بالإضافة إلى تراجع المشروع الوجودي في الفكر الفلسفي المعاصر في العالم بصفة عامة، وإن لم يمنع ذلك بدوي من التمسك بالوجودية كفلسفة له.
75 •••
إذا انتقلنا إلى الوضعية المنطقية وجدنا أنها أكثر التيارات التي حاول المهتمون بها ترسيخ أسسها العلمية في المجتمع العربي الذي كان - وما يزال - يعاني من التردي في الخرافات والغيبيات من ناحية، والابتعاد عن الروح العلمية في طرح قضاياه من ناحية أخرى. وكان زكي نجيب محمود هو الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة، ويمكن اعتباره «أحد المفكرين العرب القلائل الذين صاغوا موقفا فلسفيا واضحا، داعيا إلى الأخذ بالتفكير العلمي، مطالبا بسيادة منطق العقل. أما طريق ذلك فكان الوضعية المنطقية التي نذر نفسه لشرحها وتفصيلها وتبسيطها.»
76
وكما كانت الوضعية المنطقية هي الطفل المرعب في تاريخ الفلسفة المعاصرة في أوروبا، كانت كذلك عند محاولة ترسيخها في الفكر العربي. وتعرض زكي نجيب محمود للنقد والهجوم من كل حدب وصوب، في مرحلة من أهم مراحل الفكر العربي للتخلص من اللاعقلانية التي سادته، ومواصلة طرح مشروع التنوير طرحا علميا جديدا، لقد حاول زكي نجيب محمود الخروج بمشروعه التنويري من داخل أسوار الجامعة إلى عامة الناس بدعوته التي «تكاد ترقى عنده إلى مرتبة الرسالة المقدسة، إلى قيمتي الدقة والنقد. فكتابته كلها كفاح في معركة واحدة طويلة متصلة، هي معركة الدعوة إلى الانضباط في الأفكار، والتدقيق في الأقوال، وإخضاع الأحكام الشائعة للفحص والاختبار.»
77
Unknown page