Hasad Falsafi
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genres
دورا هاما في فلسفة نيتشه؛ إذ يفسر من خلالها تاريخ الأخلاق كله بوصفه تاريخا تتميز فيه أخلاق السادة عن أخلاق العبيد؛ ولذلك تسعى فلسفة نيتشه بأكملها إلى تحرير الأرواح الحرة من هذه الروح الانتقامية التي تولدت من المعاناة. ويصف نيتشه روسو بأنه فيلسوف المرارة والاستياء الذي أضفى على حياته الشخصية، ومعاناته معنى كليا، فبدلا من أن يبحث عن مصدر معاناته ألقى باللوم والمسئولية على عاتق المجتمع: «رجال مثل روسو يعرفون كيف يوظفون ضعفهم. إن عجزهم ورذائلهم تبدو كما لو كانت سمادا لمواهبهم، فإذا كان روسو قد نعى فساد وانحلال المجتمع باعتباره نتيجة باعثة على الأسى على الحضارة، فهو قد فعل هذا على أساس تجربة شخصية. إن المرارة التي نتجت من هذه التجربة أعطت لإدانته الحافة الحادة وسموم السهام التي أطلقها، إنه يفضي بهمومه كفرد أولا وقبل كل شيء، ويعتقد أنه يبحث عن الشفاء الذي يؤثر بشكل مباشر على المجتمع، ولكنه سيكون من خلال المجتمع، وبشكل غير مباشر فائدة أو منفعة له هو نفسه»،
49
ويعبر موقف الاستياء عن نفسه بشكل سلبي يتكشف - في رأي نيتشه - في أخلاق العبيد: «ليس هناك أكثر رعبا من طبقة العبيد البرابرة الذين ينظرون لوجودهم على أنه ظلم، ويستعدون الآن ليثأروا ليس فقط لأنفسهم، بل لكل الأجيال،
50
فبدلا من أن ينتصر الفرد الذي يشعر بمأساة الوجود على طبيعته المدمرة لذاته وللآخرين، وبدلا من أن يثبت نفسه ووجوده بروح نبيلة، وبدلا من أن يقهر روح المرارة والاستياء المؤذية، نجده يسعى للتعويض عن ذلك بالانتقام، ويدافع عن نفسه بالأخلاق السلبية - التي هي نموذج لوعي العبيد - بأن يعلن أن الآخرين (السادة أو المجتمع) هم الأشرار، ويزعم لنفسه العكس من ذلك بأن يفترض الطيبة والنقاء في طبيعته.»
لقد أضفى روسو على الطبيعة السمة الأخلاقية بأن صور الحالة الطبيعية الأولى على أنها بريئة وغير فاسدة. بينما يرى نيتشه أن الطبيعة في حد ذاتها دورة صماء تتسم باللامبالاة، الطبيعة في نفسها عبث، تدور دورتها بلا هدف، وبدون عدل ولا رحمة؛ ولهذا لا يمكن أن نسم دورتها العمياء بالسمة الأخلاقية، ولا أن نسلبها إياها فنقول إنها لا أخلاقية. ولذلك يسخر نيتشه من الفلسفة الرواقية التي تطالبنا أن نعيش وفقا للطبيعة، أي أن نعيش وفق المبدأ الكلي الكامن في الطبيعة، أي وفق التجانس والحكمة الكلية.
51
فإذا كانت الطبيعة في أعماقها - عند نيتشه - هي التعريف السابق شرحه، فكيف نعيش وفقا له؟ إننا بهذا المعنى لن يكون بإمكاننا أن نفكر في الوجود الإنساني باعتباره نتيجة تصميم أو إرادة أو هدف خاص، لن يمكننا أن نتصور الإنسان خاضعا لمحاولة تحقيق نموذج للسعادة أو الأخلاق، فنحن الذين اخترعنا مفهوم الهدف، والواقع أنه ليس هناك هدف للوجود الإنساني أي أن الهدف مفتقد. كما أنه ليس هناك من يفرض على الإنسان صفاته: لا الله ولا المجتمع ولا الأسلاف أو الآباء، ولا يوجد من يفرض عليه أفعاله؛ لأن على الإنسان أن يصبح نفسه.
لا توجد إذن إنسانية طبيعية في رأي نيتشه، ولكن الإنسان يصل إلى الطبيعة بعد صراع طويل، وقد وجد ذلك في إنسان القرن التاسع عشر: «إن هناك علامات على أن الإنسان الأوروبي في القرن التاسع عشر أقل خجلا من غرائزه، لقد خطا خطوة نحو السماح لنفسه بنزعة طبيعية غير مشروطة، أي لا أخلاقية (بالمعنى التقليدي للأخلاق)، وبدون أن يزداد إحساسه بالمرارة. يخيل لبعض من يسمعون هذا كأن الفساد قد تقدم واستشرى. من المؤكد أن الإنسان لم يقترب من الطبيعة التي يتكلم عنها روسو، لكنه حقق خطوة أخرى نحو التقدم في الحضارة التي احتقرها أو مقتها روسو.»
52
Unknown page