وجاء مفتش الصحة.
وأخليت لهم مباني الإدارة، واحتل وكيل النيابة حجرة المأمور، وتناثر عساكر البوليس يشربون الجوزة ويحتسون الشاي حول المبنى ووقف مخبر مكشوف يتلكأ عند دكان جنيدي، أما سكان العزبة فقد وقفوا من بعيد يرقبون ما يحدث، ويلقون الإشاعات ويتهامسون.
أما فكري أفندي المأمور فقد كان مشغولا حقا، ذلك أنه رأى أن ينتهز الفرصة ويعد لرجال الأمر والنهي في المركز وليمة حافلة فمصالحه عندهم كثيرة وما أقل ما يأتون إلى التفتيش؛ وعلى هذا قطع المسافة بين بيته عند رأس العزبة الكبيرة وبين مباني الإدارة عشرات المرات يشرف بنفسه على الديك الرومي ويتذوق الخبز الذي أعد في بيته خصوصا للعزومة، وكان أهالي العزبة حين يرمقونه في انبهار وهو داخل أو خارج من مبنى الإدارة يشعر هو بسعادة لا حد لها؛ إذ هو الوحيد - بينهم جميعا - الذي له حق الكلام مع المأمور والبيه الوكيل والسلام على مفتش الصحة.
وابتدأ التحقيق.
وجيء بكل امرأة وبنت من نساء الترحيلة بعد لكزها مرات لكي تخاف وتعترف، وجيء كذلك بنبوية وهي متعلقة بسبت البيض لا تريد تركه وفيه - كما تقول - رسمالها، وسئل عبد المطلب الخفير والأسطى محمد.
وانتهى التحقيق وثبت أن اللقيط مخنوق، وقيدت الجريمة ضد مجهول، وصرحت النيابة بدفن الجثة الصغيرة في جبانة التفتيش، وتطوع عبد المطلب بتكفينه وتجهيزه ودفنه.
وأكل رجال الأمر والنهي الغداء وقالوا سلاما.
وانتهى اليوم. •••
انتهى اليوم ليسلم التفتيش - إدارة وفلاحين وموظفين - إلى حيرة عظمى، فهم ما إن عرفوا حكاية اللقيط حتى أراحوا أنفسهم وقالوا: الترحيلة. ولكن ها هي ذي الحقائق تثبت لهم أن الترحيلة بريئة، وأن الفاعلة ليست منهم. حتى فكري أفندي المأمور الذي كان مصرا على أن الفاعلة واحدة من الترحيلة بدأ الشك يتسرب إلى إصراره، ومع هذا فكلما رأى أنفارهم سارحين إلى الغيط أو مروحين، رغما عنه تروح عينه تبحث بلا وعي عن النساء في الأنفار عله يلمح على إحداهن فجأة علامات الفجر والحرام. وكان أول الأمر يمتعض ويجفل ولكنه بمضي الأيام أصبحت نوازع غريبة تتحرك فيه كلما رأى بنتا أو امرأة من بنات الترحيلة، بل وجد نفسه - ذات مرة - يمزح مع واحدة منهن، ومرة ادعى لنفسه وللناس أنه يزغد بنتا في صدرها ليزجرها، وارتطمت يده طبعا بثديها، وروع قليلا حين وجده بكرا مكتنزا جامدا كالكرة الشراب.
أما البنت فقد دهش حين رأى وجهها يبهت فجأة وكأنما سحبت منه كل دمائه، ثم يغمق لونه في التو وتحمر وجنتاها وتجفل وكأنها خجلت وغضبت، يا ألطاف الله! أممكن أن نساء الترحيلة تخجل وتغضب هي الأخرى كبقية خلق الله؟
Unknown page